الْدُّرُوس الْيَوْمِيَّة (1)
فِي السِّلْسِلَة الْعِلْمِيَّة ـ نَحْو مَوْسُوْعَة شَرْعِيَّة فِي عِلْم الْرُّقَى (1)
( فَتَح الْحَق الْمُبِيْن فِي أَحْكَام رَّقَى الْصَّرْع وَالْسِّحْر وَالْعَيْن مِن بِدَايَة صَفْحَة رَقِم 90 إِلَى نِهَايَة صَفْحَة رَقِم 103 ) 0
* الْمَبْحَث الْأَوَّل : مَعْنَى الرُّقْيَة فِي الْلُّغَة وَالِاصْطِلَاح :-
* أَوَّلَا : الْمَعْنَى الْلُّغَوِي لِلْرُّقْيَة :-
قَال أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِي الْمُقْرِي الْفَيُّومِي رُقْيَتِه أَرْقِيِه رَقِيَّا " مِن بَاب رَمَى" : عُوْذَتِه بِالْلَّه ، وَالِاسْم " الرُّقْيَا " عَلَى " فَعَلَى " وَالْمَرَّة " رُقْيَة " وَالْجَمْع " رَّقَى " )
( الْمِصْبَاح الْمُنِيْر - 1 / 236 ) 0
وَقَال الْجَوْهَرِي تَقُوْل مِنْه : اسْتَرْقَيْتُه فَرَقَانِي رُقْيَة فَهُو رَاق )
( الْصِّحَاح " تَاج الْلُّغَة وَصِحَاح الْعَرَبِيَّة " - 6 / 2361 ) 0
قَال ابْن سِيْدَه : ( الرُّقْيَة هِي الْعَوْذَة ، قَال عُرْوَة :
فَمَا تَرَكَا مِن عُوْذَة يَعْرِفَانِهَا وَلَا رُقِيـة إِلَّا بِهَا رَقَيَانِي )
( الْمُحْكَم وَالْمُحِيْط الْأَعْظَم فِي الْلُّغَة - ابْن سِيْدَه - 6 / 309 ) 0
قَال الْأَزْهَرِي : ( رَّقَى الَرَاقِي رُقْيَة وَرَقِيّا : إِذَا عَوَذ وَنَفَث ) 0
( تَهْذِيْب الْلُّغَة - 9 / 293 ) 0
قَال ابْن الْأَثِير : ( الرُّقْيَة : الْعُوَذَة الَّتِي يَرْقِي بِهَا صَاحِب الْآفَة ، كَالْحُمَّى وَالْصَّرْع ، وَغَيَّر ذَلِك مِن الْآَفَات )
0 ( الْنِّهَايَة فِي غَرِيْب الْحَدِيْث - 2 / 254 ) 0
قَال ابْن مَنْظُوْر وَالرُّقْيَة : الْعَوْذَة ، مَعْرُوْفَة ، وَالْجَمْع رَّقَى 0 وَتَقُوْل : اسْتَرْقَيْتُه فَرَقَانِي رُقْيَة ، فَهُو رَاق ، وَقَد رَقَاه رَقْيَا وَرُقِيَّا 0 وَرَجُل رَقَّاء : صَاحِب رَّقَى0 يُقَال : رَّقَى الَرَاقِي رُقْيَة وَرَقِيّا إِذَا عَوَذ وَنَفَث فِي عُوْذَتِه )
( لِسَان الْعَرَب - 14 / 332 ) 0
قَال الْعَلَّامَة الْشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الْدِّيْن الْأَلْبَانِي – رَحِمَه الْلَّه - : ( " رَّقَى " هِي مَا يَقْرَأ مِن الْدُّعَاء لِطَلَب الْشِّفَاء مِن الْقُرْآَن ، وَمِمَّا صَح مِن الْسُّنَّة 0 وَأَمَّا مَا اعْتَادَه الْنَّاس مِن الْكَلَام الْمَسْجُوع الْمَمْزُوُج بِكَلِمَات لَا يَفْهَم لَهَا مَعْنَى ، وَقَد تَكُوْن مِن الْكُفْر وَالْشِّرْك ، فَإِنَّهَا مَمْنُوْعَة 0 وَمَن الَسْخافات مَا يُضَاف إِلَيْهَا مِن الْخُبْز بَعْد أَن تَدْخُل فِيْه الْسِّكِّيْن أَو الْسِّيْخ ، أَو الْمَاء بَعْد أَن يُوْضَع فِي أَوَان كُتُب عَلَيْهَا بَعْض الْكَلَام ، أَو وَضَع فِيْهَا الْأَوْرَاق الَّتِي كَتَب عَلَيْهَا الْكَلَام وَالطَّلْسَمَات ، فَإِنَّهَا مِن عَمَل الْشَّيْطَان ، وَتَخْرِيف أَدْعِيَاء الْعِلْم ، وُيُسَاعِد عَلَيْهَا تَرَك الْأَمْر بِالْمَعْرُوْف وَالْنَّهْي عَن الْمُنْكَر 0 وَلَو صَح قَوْل الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
:" هِي مِن قَدَر الْلَّه " فَمَعْنَاه : أَن قَدْر الْلَّه كَائِن لَا يُرَد ) 0
( ضَعِيْف سُنَن الْتِّرْمِذِي - ص 231 - 232 ) 0
* ثَانِيا : الْمَعْنَى الْشَّرْعِي لِلْرُّقْيَة :-
لَا يَخْتَلِف مَعْنَى الرُّقْيَة فِي الْشَّرْع عَن الْمَعْنَى الْلُّغَوِي كَثِيْرا إِذ الرُّقْيَة هِي الْعَوْذَة فِي الْلُّغَة أَي الْمُلْتَجَأ ( الْقَامُوْس الْمُحِيْط - مَادَّة " عَوَذ " ( 428 ) 00 فَالمَرُّقي يَلْتَجِئ إِلَى الرُّقْيَة لِكَي يُشْفَى مِمَّا أَصَابَه وَسَوَاء تِلْك الرُّقْيَة كَانَت مَشْرُوْعَة أَو مَمْنُوْعَة هَذَا فِي الْلُّغَة 0 أَمَّا فِي الْشَّرْع فَالْمُرَاد بِالْرُقْيَة الْمَشْرُوْعَة : هِي مَا كَان مِن الْأَدْعِيَة الْمَشْرُوْعَة أَو الْآَيَات الْقُرْآنِيَّة 0
وَقَد عَرَّفَهَا بَعْض أَهْل الْعِلْم بِمَا يَلِي :
قَال شَمْس الْحَق الْعَظِيم أَبَادِي : ( الرُّقْيَة : هِي الْعُوْذَة بِضَم الْعَيْن أَي مَا يُرْقَى بِه مِن الْدُّعَاء لِطَلَب الْشِّفَاء ) 0
( عَوْن الْمَعْبُوْد شَرْح سُنَن أَبِي دَاوُوْد - 10 / 370 ) 0
قَال شَيْخ الْإِسْلام ابْن تَيْمِيَّة : ( الْرُّقَى
بِمَعْنَى الْتَّعْوِيْذ ، وَالِاسْتِرْقَاء طَلَب الرُّقْيَة ، وَهُو مِن أَنْوَاع الْدُّعَاء ) 0
( مَجْمُوْع الْفَتَاوَى - 1 / 182 ، 328 - 10 / 195 ) 0
قَال سَعْد صَادِق مُحَمَّد : ( وَالْرُّقَى فِي الْحَقِيقَة دُعَاء وَتَوَسَّل يَطْلُب فِيْهَا الْلَّه شِفَاء الْمَرِيْض وَذَهَاب الْعِلَّة مِن بَدَنِه ) 0
( صِرَاع بَيْن الْحَق وَالْبَاطِل - ص 147 ) 0
* الْمَبْحَث الْثَّانِي : مَوْقِف الْاسْلَام مَن الْرُّقَى :-
تَمْهِيْد :
لَجَأ الْإِنْسَان مُنْذ الْقِدَم لِلْرُقَّى وَالْتَّعَاوِيَذ الَّتِي كَان يَظُن فِيْهَا تَحْصِيْل
الْمَنَافِع وَالْفَوَائِد أَو صَرَف الْأَضْرَار وَالْكَوَارِث ، وَكَذَلِك لَجَأ لِاسْتِخْدَام تِلْك الْأَسَالِيْب لِمَقَارَعَة الْأَرْوَاح الْشِّرِّيْرَة وَطَرْدِهَا لِاعْتِقَادِه الْجَازِم بِأَن كَثِيْر مِمَّا يُعَانِيْه فِي حَيَاتِه مِن بُؤْس وَشَقَاء وَعَنَاء كَان نَتِيْجَة لَتُسَلَّط تِلْك الْأَرْوَاح بِسَبَب مُبَاشِر أَو غَيْر مُبَاشِر 0
وَالْرُّقَى وَالْتَّعَاوِيَذ قَدِيْمَة مُنْذ قَدِم الْإِنْسَان ، وَنَتِيْجَة لِلْبُعْد عَن الْعَقِيدَة الْسَّوِيَّة وَالْتَشْرِيْعَات الْرَّبَّانِيَّة ، تَاه الْإِنْسَان فِي هَذَا الْمَجَال ، وَكَان لَشَّيَاطِيْن الْإِنْس وَالْجِن دَوْر رَئِيْسَي فِي هَذَا الِانْحِرَاف وَالْخَلَل ، وَاتَّجَه الْإِنْسَان الَى الْتَّصْدِيْق بِكَافَّة الْمَظَاهِر الْهَدَّامَة مِن سِحْر وَكَهَانَة وَعِرَافَة وَنَحْوِه 0
وَمِمَّا لَا شَك فِيْه أَن إِيْهَام الْكَثِيْرِيْن بِالْفَوَائِد الْمَرْجُوَّة مِن اللُّجُوء لِتِلْك الْمَظَاهِر وَالَّتِي كَان لَشَّيَاطِيْن الْجِن دَوْر رَئِيْسَي وَفُعَّال فِي تَحْقِيْقِهَا أَدَّى لِتُعَلِّق الْإِنْسَان قَدِيْما وَحَدِيْثا بِتِلْك الْأُمُور وَابْتَعَد عَن الْفِطْرَة الْسَّوِيَّة الَّتِي فَطَر الْلَّه الْنَّاس عَلَيْهَا مُنْذ نُعُوْمَة أَظْفَارِهِم ، فَاعْتَقَدُوْا بِالْسَّحَرَة وَبَاعُوْا أَنْفُسَهُم لِلْشَّيْطَان ، وَوَقَعُوا فِي الْكُفْر وَالْشِّرْك وَالْبِدْعَة فِي كَافَّة مَجَالَات حَيَاتِهِم فَضَلُّوْا وَأَضَلُّوْا 0
وَالْإِسْلَام جَاء لِيَّحْمِي الْعَقِيْدَة وَيَصُوْنُهَا وَيَحْفَظَهَا ، وَيَغْرِسُهَا صُلْبَة رَاسِخَة الْجُذُوْر فِي الْعُقُوْل وَالْأَفْئِدَة ، وَمِن هُنَا وَضَع الْقَوَاعِد وَالْأُسُس الْرَّئِيْسَة الَّتِي تُضْبَط الْرُّقَى وَالتَّعَاوِيْذ ، وَحُدِّد الْأُطُر الْعَامَّة لِمَا يَنْفَع وَمَا لَا يَنْفَع ، فَجَاءَت الْنُّصُوص الْقُرْآنِيَّة وَالحَدِيْثِيَّة بِأَرْوَع بَيَان وَأَعْظَم بُرْهَان تَبَيَّن كُل ذَلِك وتُؤَصْلَّه فِي الْنُّفُوْس ، لَيْس ذَلِك فَحْسْب ، إِنَّمَا جَاءَت زَاجِرَة مُتَوَعَّدَة بِأُسْلُوب بَلْاغِي قَوِي لِكُل مَن يُحَيّد عَن طَرِيْق الْحَق وَالْبَيَان ، وَبِذَلِك اتَّضَحَت الْرُّؤْيَة وَأَصْبَح الْأَمْر بَيَّنَّا وَاضِحَا يَحْتَاج لِلْعَاقِل الْمُتَدَبَّر
الَّذِي يُخْتَار طَرِيْق الْخَلَاص وَالْنَّجَاة 0
يَقُوْل الْدُّكْتُوْر فَهِد بْن ضَّوْيَان الْسُّحَيْمِي عُضْو هَيْئَة الْتَّدْرِيس بِالْجَامِعَة الْإِسْلَامِيَّة بِالْمْدِيَنَة الْنَّبَوِيَّة فِي مَنْظُوْمَتِه الْعِلْمِيَّة لِنَيْل دَرَجَة الْمَاجِسْتِيْر :-
( سَعَى الْإِنْسَان إِلَى الْمُحَافَظَة عَلَى صِحَّتِه لِشُعُورِه بِنَعِيْم الْعَافِيَة وَشَقَاء الْمَرَض وَبُؤْسِه 0
وَقَد عَزَا الْأَمْرِاض الَّتِي تَنْتَابُه وَالْبُؤْس الَّذِي يُحِل بِه إِلَى عَوَامِل مَعْرُوْفَة وَاضِحَة فَكافِح فِي سَبِيِل الْتَخَلُّص مِنْهَا بِقَدْر مَا يَسْتَطِيْع 0
وَلَقَد رَأَى أَن هُنَاك أَسْبَابا لِلْشَّقَاء وَالدَّاء وَلَكِن هَذِه الْأَسْبَاب مَجْهُوْلَة لَدَيْه ، فَنَسَبَهَا إِلَى قُدْرَة خَارِقَة مِن أَرْوَاح شِرِّيْرَة ، وَنَظَرَات مُؤْذِيَة ، وَغَيَّر ذَلِك مِن قُوَى لَا تَخْضَع لِسُلْطَانِه وَلَا تُصَل إِلَيْهَا قُدْرَتِه 0
فَقَاوَم ذَلِك بِطُرُق عِلَاجِيَّة اقْتَنَع بِحُسْن أَثَرُهَا وَآَمَن بِفَائِدْتِهَا وَمِن تِلْك الْطُّرُق ، الْكِهَانَة وَالْعَرَافَة وَالزَّجْر وَالْعِيَافَة ، وَالْتَّنْجِيْم وَالاسْتِعَاذَة بِالْجِن
عِنْد الْخَوْف وَالْرُّقَى وَالْتَّمَائِم وَالْتِّوَلَة ، وَلَقَد كَانَت الْرُّقَى وَالْتَّمَائِم مِن أَكْثَر وَسَائِل الْمُعَالَجَة الْرُّوحِيَّة انْتِشَارَا عِنْد الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة ، فَاسْتَعْمَلُوَا ذَلِك فِي مُدَاوَاة الْعَاشِق ، وَاللَدِيَغ ، وَالْمُصَاب بِالْعَيْن أَو الْنَّمْلَة وَغَيَّر ذَلِك مِن الْأَمْرَاض 0
وَلَمَّا فِي هَذِه الْطُّرُق مِن إِدَّعَاء عَلِم الْغَيْب الَّذِي لَا يَكُوْن إِلَّا لِلَّه وَحْدَه ، وَلَمَّا فِيْهَا مِن الْشِّرْك ، وَالتَّوَكُّل عَلَى غَيْر الْلَّه ، وَالاسْتِعَاذَة بِالْجِن فَقَد وَرَدَت النُّصُوْص الْشَّرْعَيَّة بِتَحْرِيْم ذَلِك كُلِّه ) 0
( أَحْكَام الْرُّقَى وَالْتَّمَائِم – بِاخْتِصَار - ص 31 - 33 ) 0
هَذَا وَسَوْف اسْتَعْرَض الْمَنْهَج الْإِسْلَامِي الَّذِي قَرَّرْتُه الْنُّصُوص الْقُرْآنِيَّة وَالحَدِيْثِيَّة لِلْرُّقْيَة الْشَّرْعِيَّة وْأَقْوَال أَهْل الْعَلْم فِي ذَلِك :-
* أَوَّلَا : الْنُّصُوص الْقُرْآنِيَّة الْدَّالَّة عَلَى أَن الْقُرْآَن شِفَاء :-
1)- يَقُوْل تَعَالَى : ( وَنُنَزِّل مِن الْقُرْءَان مَا هُو شِفَاء وَرَحْمَة لِّلْمُؤْمِنِيْن وَلَا يَزِيْد الْظَّالِمِيْن إِلَا خَسَارا )
( سُوْرَة الْإِسْرَاء - الْآَيَة 82 ) 0
* قَال ابْن الْقَيِّم - رَحِمَه الْلَّه - : ( وَالْأَظْهَر أَن " مِن " هُنَا لِبَيَان الْجِنْس فَالْقُرْآَن جَمِيْعِه شِفَاء وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِيْن ) 0
( إِغَاثَة الْلَّهْفَان - 1 / 24 ) 0
* قَال الْشَّيْخ عَبْدُالْرَّحْمَن الْسَّعْدِي أَي : فَالْقُرْآَن مُشْتَمِل عَلَى
الْشِّفَاء وَالْرَّحْمَة 0 وَلَيْس ذَلِك لِكُل أَحَد ، وَإِنَّمَا ذَلِك لِلْمُؤْمِنِيْن بِه ، الْمُصَّدِّقِين بِآَيَاتِه ، الْعَامِلِيْن بِه 0
وَأَمَّا الْظَّالِمُوْن بِعَدَم الْتَّصْدِيْق بِه ، أَو عَدَم الْعَمَل بِه ، فَلَا تَزِيْدُهُم آَيَاتِه إِلَا خَسَارا إِذ بِه تَقُوْم عَلَيْهِم الْحُجَّة 0
فَالشِّفَاء : الَّذِي تَضَمَّنَه الْقُرْآَن ، عَام لِشِفَاء الْقُلُوْب ، مِن الشُّبَه ، وَالْجَهَالَة ، وَالْآرَاء الْفَاسِدَة وَالانْحِرَاف الْسَّيِّئ ، وَالْقُصُود الْرَّدِيْئَة 0 فَإِنَّه مُشْتَمِل عَلَى الْعِلْم الْيَقِين ، الَّذِي تَزُوْل بِه كُل شُبْهَة وَجَهَالَة 0 وَالْوَعْظ وَالتَّذْكِيْر ، الَّذِي يَزُوْل بِه كُل شَهْوَة ، تُخَالِف أَمْر الْلَّه 0
وَلشِفَاء الْأَبْدَان مِن آَلَامِهِا وَأَسْقَامِهَا 0 وَأَمَّا الْرَّحْمَة ، فَإِن مَا فِيْه مِن الْأَسْبَاب وَالْوَسَائِل ، الَّتِي يَحُث عَلَيْهَا ،
مَتَى فَعَلَهَا الْعَبْد ؛ فَاز بِالْرَّحْمَة وَالْسَّعَادَة الْأَبَدِيَّة ، وَالْثَّوَاب الْعَاجِل وَالْآجِل 0 هَذِه طَبِيْعَة الْإِنْسَان ، مِن حَيْث هُو ، إِلَا مَن هَدَاه الْلَّه )
( تَيْسِيْر الْكَرِيْم الْرَّحْمَن – 3 / 128 ) 0
2)- وَقَال تَعَالَى : ( يَاأَيُّهَا الْنَّاس قَد جَاءَتْكُم مَّوْعِظَة مِن رَبِّكُم وَشِفَاء لِمَا فِي
الْصُّدُوْر )
( سُوْرَة يُوْنُس - الْآَيَة 57 ) 0
* قَال الْشَّيْخ عَبْدُالْرَّحْمَن الْسَّعْدِي " وَشِفَاء لَمِا فِي الْصُّدُوْر " وَهُو : هَذَا الْقُرْآَن ، شِفَاء لِمَا فِي الْصُّدُوْر ، مِن أَمْرَاض الْشَّهَوَات الْصَّادِرَة عَن الِانْقِيَاد لِلْشَّرْع ، وَأَمْرَاض الشُّبُهَات ، الْقَادِحَة فِي الْعِلْم الْيَقِيْنِي 0 فَإِن مَا فِيْه مِن الْمَوَاعِظ ، وَالْتَّرْغِيْب ، وَالْتَّرْهِيْب ، وَالَوْعْد وَالْوَعِيْد ، مِمَّا يُوَجِّب لِلْعَبْد الرَّغْبَة وَالرَّهْبَة 0 وَإِذَا وَجَدْت فِيْه الرَّغْبَة فِي الْخَيْر ، وَالرَّهْبَة عَن الْشَّر ، وَنَّمَتَا عَلَى تَكَرُّر مَا يَرِد إِلَيْهَا ، مِن مَعَانِي الْقُرْآَن ، أَوْجَب ذَلِك ، تَقْدِيْم مُرَاد الْلَّه عَلَى مُرَاد الْنَّفْس ، وَصَار مَا يُرْضِي الْلَّه ، أُحِب إِلَى الْعَبْد مِن شَهْوَة نَفْسِه 0 وَكَذَلِك مَا فِيْه ، مِن الْبَرَاهِيْن ، وَالْأَدِلَّة الَّتِي صَرَفَهَا الْلَّه ، غَايَة الْتَّصْرِيف ، وَبَيْنَهَا أَحْسَن بَيَان ، مِمَّا يُزِيْل الشُّبَه الْقَادِحَة فِي الْحَق ، وَيَصِل بِه الْقَلْب إِلَى أَعْلَى دَرَجَات الْيَقِين 0 وَإِذَا صَح الْقَلْب مِن مَرَضِه ، وَرَفَل بِأَثْوَاب الْعَافِيَة ، تَبِعْتُه الْجَوَارِح كُلِّهَا ، فَإِنَّهَا تَصْلُح بِصَلَاحِه ، وَتُفْسِد بِفَسَادِه ) 0
( تَيْسِيْر الْكَرِيْم الْرَّحْمَن - 2 / 326 ) 0
3)- وَقَال تَعَالَى : ( قُل هُو لِلَّذِيْن ءَامَنُوا هُدى وَشِفَاء )
( سُوْرَة فُصِّلَت - الْآَيَة 44 ) 0
قَال الْشَّيْخ عَبْدُالْرَّحْمَن الْسَّعْدِي : ( وَلِهَذَا قَال : " (قُل هُو لِلَّذِيْن ءَامَنُوا هُدى وَشِفَاء ) " أَي : يَهْدِيْهِم لِطَّرِيْق الرُّشْد ، وَالْصِّرَاط الْمُسْتَقِيْم ، وَيُعَلِّمُهُم مَن الْعُلُوم الْنَّافِعَة مَا بِه تَحْصُل الْهِدَايَة الْتَّامَّة 0 وَشِفَاء لَهُم مِّن الْأَسْقَام الْبَدَنِيَّة ، وَالْأَسْقَام الْقَلْبِيَة ، لِأَنَّه يُزْجَر عَن مَسَاوِئ الْأَخْلَاق ، وَأَقْبَح الْأَعْمَال ، وَيَحُث عَلَى الْتَّوْبَة النَّصُوْح ، الَّتِي تَغْسِل الْذُّنُوب ، وَتَشْفِي الْقَلْب ) 0 ( تَيْسِيْر الْكَرِيْم الْرَّحْمَن - 4 / 403 ) 0
* أَقْوَال أَهَلُم الْعِلْم وَالْبَاحِثِيْن عَلَى أَن الْقُرْآَن الْكَرِيْم شِفَاء لِلْأَمْرَاض عَلَى اخْتِلَاف أَنْوَاعِهَا :-
قَال ابْن الْقَيِّم – رَحِمَه الْلَّه - : ( وَقَد اشْتَمَلَت الْفَاتِحَة عَلَى الشِّفَاءَين : شِفَاء الْقُلُوْب ، وَشِفَاء الْأَبْدَان 0
أَمَّا تَضَمَّنَهَا لِشِفَاء الْأَبْدَان : فَنَذْكُر مِنْه مَا جَاءَت فِيْه الْسُّنَّة ، ثُم سَاق - رَحِمَه الْلَّه – حَدِيْث أَبِي سَعِيْد الْخُدْرِي – رَضِي الْلَّه عَنْه – الَى أَن قَال : فَقَد تَضَمَّن هَذَا الْحَدِيْث حُصُوْل شِفَاء هـذَا الْلَّدِيغ بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة عَلَيْه ، فَأَغْنَتْه عَن الْدَّوَاء وَرُبَّمَا بَلَّغْت مِن شِفَائِه مَا لَم يَبْلُغَه الْدَّوَاء 0
هَذَا مَع كَوْن الْمَحَل غَيْر قَابِل ، إِمَّا لِكَوْن هَؤُلَاء الْحَي غَيْر مُسْلِمِيْن ، أَو أَهْل بُخْل وَلَؤُم ، فَكَيْف إِذَا كَان الْمَحَل قَابِلا ) 0
( تَهْذِيْب مَدَارِج الْسَّالِكِيْن – بِاخْتِصَار – ص 53 – 55 ) 0
* قَال الْشَّوْكَانِي : ( وَاخْتُلِف أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى كَوْنِه شِفَاء عَلَى قَوْلَيْن :-
الْأَوَّل : أَنَّه شِفَاء لِلْقُلُوْب بِزَوَال الْجَهْل عَنْهَا وَذَهَاب الْرَّيْب وَكُشِف الْغِطَاء عَن الْأُمُوْر الْدَّالَّة عَلَى الْلَّه 0
وَالْقَوْل الْثَّانِي : أَنَّه شِفَاء مِن الْأَمْرَاض الْظَّاهِرَة بِالْرُقِي وَالْتَّعَوُّذ وَنَحْو ذَلِك 0 وَلَا مَانِع مِن حَمْل الْشِّفَاء عَلَى الْمَعْنَيَيْن مِن بَاب عُمُوْم الْمَجَاز ، أَو مِن
بَاب حَمْل الْمُشْتَرَك عَلَى مَعْنَيَيْه ) 0 ( فَتْح الْقَدِيْر – 3 / 253 ) 0
وَقَال أَيْضا : ( أَخْرَج الْبَيْهَقِي فِي "شَعْب الْإِيْمَان" عَن وَائِلَة بْن الْأَسْقَع : أَن رَجُلَا شَكَا إِلَى الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَجَع حَلْقِه 0 فَقَال لَه رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : " عَلَيْك بِقِرَاءَة الْقُرْآَن وَالْعَسَل فَالْقُرْآَن شِفَاء لِمَا فِي الْصُّدُوْر وَالْعَسَل شِفَاء مِن كُل دَاء "000 ) 0 ( قُلْت : وَلَم أَقِف عَلَى مَدَى صِحَة الْحَدِيْث آَنَف الْذِّكْر إِلَا أَن مَعْنَاه صَحِيْح كَمَا سَوْف يَتَّضِح مِن خِلَال الْآَيَات الْقُرْآنِيَّة وَالْأَحَادِيْث الْنَّبَوِيَّة الْشَّرِيْفَة الْدَّالَّة عَلَى ذَلِك ) 0 ( فَتْح الْقَدِيْر – 2 / 454 ، أَنْظُر سُنَن الْبَيْهَقِي الْكُبْرَى – 9 / 345 ) 0
* قَال الْسُّيُوْطِي وَأَخْرَج الْبَيْهَقِي عَن طَلْحَة بْن مُصَرِّف قَال : كَان يُقَال : أَن الْمَرِيْض إِذَا قُرِئ عِنْدَه الْقُرْآَن وَجَد لَه خِفّة 0 فَدَخَلْت عَلَى خَيْثَمَة وَهُو مَرِيْض فَقُلْت : إِنِّي أَرَاك الْيَوْم صَالِحا 0 قَال : إِنَّه قُرِئ عِنْدِي الْقُرْآَن ) 0
( الْدُّر الْمَنْثُوْر - 3 / 553 ) 0
* رَوَى الْخَطِيْب أَبُو بَكْر الْبَغْدَادِي – رَحِمَه الْلَّه – بِإِسْنَادِه قَال : ( أَن الرْمَاوِي الْحَافِظ الْحُجَّة أَبِي بَكْر بْن مَنْصُوْر كَان إِذَا اشْتَكَى شَيْئا قَال : هَاتُوْا أَصْحَاب الْحَدِيْث ، فَإِذَا حَضَرُوْا ، قَال " اقْرَءُوْا عَلَي الْحَدِيْث " قَال الْإِمَام النَّوَوِي : فَهَذَا فِي الْحَدِيْث فَالْقُرْآَن أَوْلَى ) 0
( تَذْكِرَة الْحَافِظ - 2 / 546 ، وَقَد ذَكَرَه الْنَّوَوِي فِي " الْتِّبْيَان فِي آَدَاب حَمَلَة الْقُرْآَن " ) 0
* قَال الْدُّكْتُوْر عُمَر يُوْسُف حَمْزَة : ( وَقَد ذَهَب عَدَد مَن الْعُلَمَاء إِلَى أَن الْقُرْآَن يَتَضَمَّن شِفَاء الْأَبْدَان كَمَا تَضَمَّن شِفَاء الْرُّوْح 0 وَمِن هَؤُلَاء الْعُلَمَاء الْإِمَام الْرَّازِي فِي الْتَّفْسِيْر الْكَبِيْر 21 / 35 وَالْإِمَام أَبُو حَيَّان فِي الْبَحْر الْمُحِيْط 6 / 74 وَالْقُرْطُبِي فِي الْجَامِع لَأَحْكَام الْقُرْآن 9 / 316 وَغَيْرِهِم ، وَذَكَرُوَا فِي تَأْيِيْد رَأْيَهُم بِأَن الْقُرْآَن شِفَاء مِن الْأَمْرَاض الْجُسْمَانِيَّة فَلِأَن الْتَّرْك بِقِرَاءَتِه يَدْفَع كَثِيْرَا مِن الْأَمْرَاض ، وَلَمَّا اعْتَرَف الْجُمْهُوْر مِن الْفَلَاسِفَة وَأَصْحَاب الْطَّلْسَمَات بِأَن لِقِرَاءَة الْرُّقِي الْمَجْهُوْلَة وَالعَزَايِم الَّتِي لَا يُفْهَم مِنْهَا شَيْء آَثَارَا عَظِيْمَة فِي تَحْصِيْل الْمَنَافِع وَدَفْع الْمَفَاسِد ، فَلَأَن تَكُوْن قِرَاءَة هَذَا الْقُرْآَن الْعَظِيْم الْمُشْتَمِل عَلَى ذِكْر جَلَال الْلَّه وَكِبْرِيَائِه وَتَعْظِيْم الْمَلَائِكَة الْمُقَرَّبِيْن وَتَحْقِيْر الْمَرَدَة وَالْشَّيَاطِيْن سَبَبَا لِحُصُوْل الْنَفْع فِي الْدِّيْن وَالْدُّنْيَا كَان أَوْلَى وَيَتَأَكَّد مَا ذَكَرْنَا بِالْأَحَادِيْث الْصَّحِيْحَة ) 0
( الْتَّدَاوِي بِالْقُرْآَن وَالْسُّنَّة وَالْحَبَّة الْسَّوْدَاء – ص 41 ) 0
* قَال الْأُسْتَاذ سَعِيْد اللَّحَّام : ( الْقُرْآَن الْكَرِيْم هُو هُدَى وَشِفَاء لِلَّذِيْن آَمَنُوْا أَمَّا الَّذِيْن لَم يُؤْمِنُوَا فَهَؤُلَاء لَم يَهْتَدُوَا بِهَدْيِه وَأَصَرُّوا عَلَى ضَلَالَاتِهِم وَكُفْرِهِم 0
وَالَّذِين لَا يُؤْمِنُوْن بِمَا قَدَّر الْلَّه مَن الْشِّفَاء بِه ، شِفَاء الْعُقُوْل مِن الْشِّرْك وَالْكُفْر وَالْنِّفَاق وَالْعَمَى عَن طَرِيْق الْحَق ، وَشِفَاء لِلْنُّفُوس مِن أَدْوَائِهَا كَالْحَسَد وَالْضَّغِيْنَة وَحُب الْدُّنْيَا وَشَهَوَاتُهَا وَالتَّكَالُب عَلَيْهَا وَالْسَّعْي خَلَف الْمُحَرَّمَات فِيْهَا وَشِفَاء لِلْصُّدُور مِمَّا بِهَا مِن ضِيْق وَتَعَب وَنَصَب وَقَلِق 0
وَهُو شِفَاء لِكُل مَا تُسَبِّبُه أَدْوَاء وَأَوْصَاب الْعَقَل وَالْنَّفْس وَالْصَّدْر مِن أَمْرَاض ، وَهُو شِفَاء أَيْضا لِبَعْض مَا قَدَّرَه الْلَّه عَلَى الْعِبَاد مِن أَمْرَاض ) 0
( الْتَّدَاوِي بِالْقُرْآَن الْكَرِيْم – ص 22 – 23 ) 0
قُلْت : وَمِن خِلَال تَتَّبِع الْنُّصُوص الْقُرْآنِيَّة وَالحَدِيْثِيَّة وْأَقْوَال أَهْل الْعَلْم الْأَجِلَّاء يَتَّضِح بِمَا لَا يَدَع مَجَالا لِلْشَك بِأَن الْقُرْآَن شِفَاء لِأَمْرَاض الْقُلُوُب مِن حِقْد وَحَسَد وَنَمِيْمَة وَنَحْوِه ، وَكَذَلِك هُو شِفَاء لِأَمْرَاض الْأَبْدَان عَلَى اخْتِلَاف أَنْوَاعِهَا وَبِحَسَب مَرَاتِبِهَا ، وَكُل ذَلِك يَحْتَاج مِن الْمِرَيْض لِلْإِرَادَة وَالْعَزِيْمَة وَالْيَقِين الْتَّام بِكُل آَيَة بَل بِكُل حَرْف مِن كِتَاب الْلَّه عَز وَجَل ، وَبِكِل مَا نَطَق بِه رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم مَن الْسُّنَّة الْمَأْثُوْرَة
فِي السِّلْسِلَة الْعِلْمِيَّة ـ نَحْو مَوْسُوْعَة شَرْعِيَّة فِي عِلْم الْرُّقَى (1)
( فَتَح الْحَق الْمُبِيْن فِي أَحْكَام رَّقَى الْصَّرْع وَالْسِّحْر وَالْعَيْن مِن بِدَايَة صَفْحَة رَقِم 90 إِلَى نِهَايَة صَفْحَة رَقِم 103 ) 0
* الْمَبْحَث الْأَوَّل : مَعْنَى الرُّقْيَة فِي الْلُّغَة وَالِاصْطِلَاح :-
* أَوَّلَا : الْمَعْنَى الْلُّغَوِي لِلْرُّقْيَة :-
قَال أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِي الْمُقْرِي الْفَيُّومِي رُقْيَتِه أَرْقِيِه رَقِيَّا " مِن بَاب رَمَى" : عُوْذَتِه بِالْلَّه ، وَالِاسْم " الرُّقْيَا " عَلَى " فَعَلَى " وَالْمَرَّة " رُقْيَة " وَالْجَمْع " رَّقَى " )
( الْمِصْبَاح الْمُنِيْر - 1 / 236 ) 0
وَقَال الْجَوْهَرِي تَقُوْل مِنْه : اسْتَرْقَيْتُه فَرَقَانِي رُقْيَة فَهُو رَاق )
( الْصِّحَاح " تَاج الْلُّغَة وَصِحَاح الْعَرَبِيَّة " - 6 / 2361 ) 0
قَال ابْن سِيْدَه : ( الرُّقْيَة هِي الْعَوْذَة ، قَال عُرْوَة :
فَمَا تَرَكَا مِن عُوْذَة يَعْرِفَانِهَا وَلَا رُقِيـة إِلَّا بِهَا رَقَيَانِي )
( الْمُحْكَم وَالْمُحِيْط الْأَعْظَم فِي الْلُّغَة - ابْن سِيْدَه - 6 / 309 ) 0
قَال الْأَزْهَرِي : ( رَّقَى الَرَاقِي رُقْيَة وَرَقِيّا : إِذَا عَوَذ وَنَفَث ) 0
( تَهْذِيْب الْلُّغَة - 9 / 293 ) 0
قَال ابْن الْأَثِير : ( الرُّقْيَة : الْعُوَذَة الَّتِي يَرْقِي بِهَا صَاحِب الْآفَة ، كَالْحُمَّى وَالْصَّرْع ، وَغَيَّر ذَلِك مِن الْآَفَات )
0 ( الْنِّهَايَة فِي غَرِيْب الْحَدِيْث - 2 / 254 ) 0
قَال ابْن مَنْظُوْر وَالرُّقْيَة : الْعَوْذَة ، مَعْرُوْفَة ، وَالْجَمْع رَّقَى 0 وَتَقُوْل : اسْتَرْقَيْتُه فَرَقَانِي رُقْيَة ، فَهُو رَاق ، وَقَد رَقَاه رَقْيَا وَرُقِيَّا 0 وَرَجُل رَقَّاء : صَاحِب رَّقَى0 يُقَال : رَّقَى الَرَاقِي رُقْيَة وَرَقِيّا إِذَا عَوَذ وَنَفَث فِي عُوْذَتِه )
( لِسَان الْعَرَب - 14 / 332 ) 0
قَال الْعَلَّامَة الْشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الْدِّيْن الْأَلْبَانِي – رَحِمَه الْلَّه - : ( " رَّقَى " هِي مَا يَقْرَأ مِن الْدُّعَاء لِطَلَب الْشِّفَاء مِن الْقُرْآَن ، وَمِمَّا صَح مِن الْسُّنَّة 0 وَأَمَّا مَا اعْتَادَه الْنَّاس مِن الْكَلَام الْمَسْجُوع الْمَمْزُوُج بِكَلِمَات لَا يَفْهَم لَهَا مَعْنَى ، وَقَد تَكُوْن مِن الْكُفْر وَالْشِّرْك ، فَإِنَّهَا مَمْنُوْعَة 0 وَمَن الَسْخافات مَا يُضَاف إِلَيْهَا مِن الْخُبْز بَعْد أَن تَدْخُل فِيْه الْسِّكِّيْن أَو الْسِّيْخ ، أَو الْمَاء بَعْد أَن يُوْضَع فِي أَوَان كُتُب عَلَيْهَا بَعْض الْكَلَام ، أَو وَضَع فِيْهَا الْأَوْرَاق الَّتِي كَتَب عَلَيْهَا الْكَلَام وَالطَّلْسَمَات ، فَإِنَّهَا مِن عَمَل الْشَّيْطَان ، وَتَخْرِيف أَدْعِيَاء الْعِلْم ، وُيُسَاعِد عَلَيْهَا تَرَك الْأَمْر بِالْمَعْرُوْف وَالْنَّهْي عَن الْمُنْكَر 0 وَلَو صَح قَوْل الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم
:" هِي مِن قَدَر الْلَّه " فَمَعْنَاه : أَن قَدْر الْلَّه كَائِن لَا يُرَد ) 0
( ضَعِيْف سُنَن الْتِّرْمِذِي - ص 231 - 232 ) 0
* ثَانِيا : الْمَعْنَى الْشَّرْعِي لِلْرُّقْيَة :-
لَا يَخْتَلِف مَعْنَى الرُّقْيَة فِي الْشَّرْع عَن الْمَعْنَى الْلُّغَوِي كَثِيْرا إِذ الرُّقْيَة هِي الْعَوْذَة فِي الْلُّغَة أَي الْمُلْتَجَأ ( الْقَامُوْس الْمُحِيْط - مَادَّة " عَوَذ " ( 428 ) 00 فَالمَرُّقي يَلْتَجِئ إِلَى الرُّقْيَة لِكَي يُشْفَى مِمَّا أَصَابَه وَسَوَاء تِلْك الرُّقْيَة كَانَت مَشْرُوْعَة أَو مَمْنُوْعَة هَذَا فِي الْلُّغَة 0 أَمَّا فِي الْشَّرْع فَالْمُرَاد بِالْرُقْيَة الْمَشْرُوْعَة : هِي مَا كَان مِن الْأَدْعِيَة الْمَشْرُوْعَة أَو الْآَيَات الْقُرْآنِيَّة 0
وَقَد عَرَّفَهَا بَعْض أَهْل الْعِلْم بِمَا يَلِي :
قَال شَمْس الْحَق الْعَظِيم أَبَادِي : ( الرُّقْيَة : هِي الْعُوْذَة بِضَم الْعَيْن أَي مَا يُرْقَى بِه مِن الْدُّعَاء لِطَلَب الْشِّفَاء ) 0
( عَوْن الْمَعْبُوْد شَرْح سُنَن أَبِي دَاوُوْد - 10 / 370 ) 0
قَال شَيْخ الْإِسْلام ابْن تَيْمِيَّة : ( الْرُّقَى
بِمَعْنَى الْتَّعْوِيْذ ، وَالِاسْتِرْقَاء طَلَب الرُّقْيَة ، وَهُو مِن أَنْوَاع الْدُّعَاء ) 0
( مَجْمُوْع الْفَتَاوَى - 1 / 182 ، 328 - 10 / 195 ) 0
قَال سَعْد صَادِق مُحَمَّد : ( وَالْرُّقَى فِي الْحَقِيقَة دُعَاء وَتَوَسَّل يَطْلُب فِيْهَا الْلَّه شِفَاء الْمَرِيْض وَذَهَاب الْعِلَّة مِن بَدَنِه ) 0
( صِرَاع بَيْن الْحَق وَالْبَاطِل - ص 147 ) 0
* الْمَبْحَث الْثَّانِي : مَوْقِف الْاسْلَام مَن الْرُّقَى :-
تَمْهِيْد :
لَجَأ الْإِنْسَان مُنْذ الْقِدَم لِلْرُقَّى وَالْتَّعَاوِيَذ الَّتِي كَان يَظُن فِيْهَا تَحْصِيْل
الْمَنَافِع وَالْفَوَائِد أَو صَرَف الْأَضْرَار وَالْكَوَارِث ، وَكَذَلِك لَجَأ لِاسْتِخْدَام تِلْك الْأَسَالِيْب لِمَقَارَعَة الْأَرْوَاح الْشِّرِّيْرَة وَطَرْدِهَا لِاعْتِقَادِه الْجَازِم بِأَن كَثِيْر مِمَّا يُعَانِيْه فِي حَيَاتِه مِن بُؤْس وَشَقَاء وَعَنَاء كَان نَتِيْجَة لَتُسَلَّط تِلْك الْأَرْوَاح بِسَبَب مُبَاشِر أَو غَيْر مُبَاشِر 0
وَالْرُّقَى وَالْتَّعَاوِيَذ قَدِيْمَة مُنْذ قَدِم الْإِنْسَان ، وَنَتِيْجَة لِلْبُعْد عَن الْعَقِيدَة الْسَّوِيَّة وَالْتَشْرِيْعَات الْرَّبَّانِيَّة ، تَاه الْإِنْسَان فِي هَذَا الْمَجَال ، وَكَان لَشَّيَاطِيْن الْإِنْس وَالْجِن دَوْر رَئِيْسَي فِي هَذَا الِانْحِرَاف وَالْخَلَل ، وَاتَّجَه الْإِنْسَان الَى الْتَّصْدِيْق بِكَافَّة الْمَظَاهِر الْهَدَّامَة مِن سِحْر وَكَهَانَة وَعِرَافَة وَنَحْوِه 0
وَمِمَّا لَا شَك فِيْه أَن إِيْهَام الْكَثِيْرِيْن بِالْفَوَائِد الْمَرْجُوَّة مِن اللُّجُوء لِتِلْك الْمَظَاهِر وَالَّتِي كَان لَشَّيَاطِيْن الْجِن دَوْر رَئِيْسَي وَفُعَّال فِي تَحْقِيْقِهَا أَدَّى لِتُعَلِّق الْإِنْسَان قَدِيْما وَحَدِيْثا بِتِلْك الْأُمُور وَابْتَعَد عَن الْفِطْرَة الْسَّوِيَّة الَّتِي فَطَر الْلَّه الْنَّاس عَلَيْهَا مُنْذ نُعُوْمَة أَظْفَارِهِم ، فَاعْتَقَدُوْا بِالْسَّحَرَة وَبَاعُوْا أَنْفُسَهُم لِلْشَّيْطَان ، وَوَقَعُوا فِي الْكُفْر وَالْشِّرْك وَالْبِدْعَة فِي كَافَّة مَجَالَات حَيَاتِهِم فَضَلُّوْا وَأَضَلُّوْا 0
وَالْإِسْلَام جَاء لِيَّحْمِي الْعَقِيْدَة وَيَصُوْنُهَا وَيَحْفَظَهَا ، وَيَغْرِسُهَا صُلْبَة رَاسِخَة الْجُذُوْر فِي الْعُقُوْل وَالْأَفْئِدَة ، وَمِن هُنَا وَضَع الْقَوَاعِد وَالْأُسُس الْرَّئِيْسَة الَّتِي تُضْبَط الْرُّقَى وَالتَّعَاوِيْذ ، وَحُدِّد الْأُطُر الْعَامَّة لِمَا يَنْفَع وَمَا لَا يَنْفَع ، فَجَاءَت الْنُّصُوص الْقُرْآنِيَّة وَالحَدِيْثِيَّة بِأَرْوَع بَيَان وَأَعْظَم بُرْهَان تَبَيَّن كُل ذَلِك وتُؤَصْلَّه فِي الْنُّفُوْس ، لَيْس ذَلِك فَحْسْب ، إِنَّمَا جَاءَت زَاجِرَة مُتَوَعَّدَة بِأُسْلُوب بَلْاغِي قَوِي لِكُل مَن يُحَيّد عَن طَرِيْق الْحَق وَالْبَيَان ، وَبِذَلِك اتَّضَحَت الْرُّؤْيَة وَأَصْبَح الْأَمْر بَيَّنَّا وَاضِحَا يَحْتَاج لِلْعَاقِل الْمُتَدَبَّر
الَّذِي يُخْتَار طَرِيْق الْخَلَاص وَالْنَّجَاة 0
يَقُوْل الْدُّكْتُوْر فَهِد بْن ضَّوْيَان الْسُّحَيْمِي عُضْو هَيْئَة الْتَّدْرِيس بِالْجَامِعَة الْإِسْلَامِيَّة بِالْمْدِيَنَة الْنَّبَوِيَّة فِي مَنْظُوْمَتِه الْعِلْمِيَّة لِنَيْل دَرَجَة الْمَاجِسْتِيْر :-
( سَعَى الْإِنْسَان إِلَى الْمُحَافَظَة عَلَى صِحَّتِه لِشُعُورِه بِنَعِيْم الْعَافِيَة وَشَقَاء الْمَرَض وَبُؤْسِه 0
وَقَد عَزَا الْأَمْرِاض الَّتِي تَنْتَابُه وَالْبُؤْس الَّذِي يُحِل بِه إِلَى عَوَامِل مَعْرُوْفَة وَاضِحَة فَكافِح فِي سَبِيِل الْتَخَلُّص مِنْهَا بِقَدْر مَا يَسْتَطِيْع 0
وَلَقَد رَأَى أَن هُنَاك أَسْبَابا لِلْشَّقَاء وَالدَّاء وَلَكِن هَذِه الْأَسْبَاب مَجْهُوْلَة لَدَيْه ، فَنَسَبَهَا إِلَى قُدْرَة خَارِقَة مِن أَرْوَاح شِرِّيْرَة ، وَنَظَرَات مُؤْذِيَة ، وَغَيَّر ذَلِك مِن قُوَى لَا تَخْضَع لِسُلْطَانِه وَلَا تُصَل إِلَيْهَا قُدْرَتِه 0
فَقَاوَم ذَلِك بِطُرُق عِلَاجِيَّة اقْتَنَع بِحُسْن أَثَرُهَا وَآَمَن بِفَائِدْتِهَا وَمِن تِلْك الْطُّرُق ، الْكِهَانَة وَالْعَرَافَة وَالزَّجْر وَالْعِيَافَة ، وَالْتَّنْجِيْم وَالاسْتِعَاذَة بِالْجِن
عِنْد الْخَوْف وَالْرُّقَى وَالْتَّمَائِم وَالْتِّوَلَة ، وَلَقَد كَانَت الْرُّقَى وَالْتَّمَائِم مِن أَكْثَر وَسَائِل الْمُعَالَجَة الْرُّوحِيَّة انْتِشَارَا عِنْد الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة ، فَاسْتَعْمَلُوَا ذَلِك فِي مُدَاوَاة الْعَاشِق ، وَاللَدِيَغ ، وَالْمُصَاب بِالْعَيْن أَو الْنَّمْلَة وَغَيَّر ذَلِك مِن الْأَمْرَاض 0
وَلَمَّا فِي هَذِه الْطُّرُق مِن إِدَّعَاء عَلِم الْغَيْب الَّذِي لَا يَكُوْن إِلَّا لِلَّه وَحْدَه ، وَلَمَّا فِيْهَا مِن الْشِّرْك ، وَالتَّوَكُّل عَلَى غَيْر الْلَّه ، وَالاسْتِعَاذَة بِالْجِن فَقَد وَرَدَت النُّصُوْص الْشَّرْعَيَّة بِتَحْرِيْم ذَلِك كُلِّه ) 0
( أَحْكَام الْرُّقَى وَالْتَّمَائِم – بِاخْتِصَار - ص 31 - 33 ) 0
هَذَا وَسَوْف اسْتَعْرَض الْمَنْهَج الْإِسْلَامِي الَّذِي قَرَّرْتُه الْنُّصُوص الْقُرْآنِيَّة وَالحَدِيْثِيَّة لِلْرُّقْيَة الْشَّرْعِيَّة وْأَقْوَال أَهْل الْعَلْم فِي ذَلِك :-
* أَوَّلَا : الْنُّصُوص الْقُرْآنِيَّة الْدَّالَّة عَلَى أَن الْقُرْآَن شِفَاء :-
1)- يَقُوْل تَعَالَى : ( وَنُنَزِّل مِن الْقُرْءَان مَا هُو شِفَاء وَرَحْمَة لِّلْمُؤْمِنِيْن وَلَا يَزِيْد الْظَّالِمِيْن إِلَا خَسَارا )
( سُوْرَة الْإِسْرَاء - الْآَيَة 82 ) 0
* قَال ابْن الْقَيِّم - رَحِمَه الْلَّه - : ( وَالْأَظْهَر أَن " مِن " هُنَا لِبَيَان الْجِنْس فَالْقُرْآَن جَمِيْعِه شِفَاء وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِيْن ) 0
( إِغَاثَة الْلَّهْفَان - 1 / 24 ) 0
* قَال الْشَّيْخ عَبْدُالْرَّحْمَن الْسَّعْدِي أَي : فَالْقُرْآَن مُشْتَمِل عَلَى
الْشِّفَاء وَالْرَّحْمَة 0 وَلَيْس ذَلِك لِكُل أَحَد ، وَإِنَّمَا ذَلِك لِلْمُؤْمِنِيْن بِه ، الْمُصَّدِّقِين بِآَيَاتِه ، الْعَامِلِيْن بِه 0
وَأَمَّا الْظَّالِمُوْن بِعَدَم الْتَّصْدِيْق بِه ، أَو عَدَم الْعَمَل بِه ، فَلَا تَزِيْدُهُم آَيَاتِه إِلَا خَسَارا إِذ بِه تَقُوْم عَلَيْهِم الْحُجَّة 0
فَالشِّفَاء : الَّذِي تَضَمَّنَه الْقُرْآَن ، عَام لِشِفَاء الْقُلُوْب ، مِن الشُّبَه ، وَالْجَهَالَة ، وَالْآرَاء الْفَاسِدَة وَالانْحِرَاف الْسَّيِّئ ، وَالْقُصُود الْرَّدِيْئَة 0 فَإِنَّه مُشْتَمِل عَلَى الْعِلْم الْيَقِين ، الَّذِي تَزُوْل بِه كُل شُبْهَة وَجَهَالَة 0 وَالْوَعْظ وَالتَّذْكِيْر ، الَّذِي يَزُوْل بِه كُل شَهْوَة ، تُخَالِف أَمْر الْلَّه 0
وَلشِفَاء الْأَبْدَان مِن آَلَامِهِا وَأَسْقَامِهَا 0 وَأَمَّا الْرَّحْمَة ، فَإِن مَا فِيْه مِن الْأَسْبَاب وَالْوَسَائِل ، الَّتِي يَحُث عَلَيْهَا ،
مَتَى فَعَلَهَا الْعَبْد ؛ فَاز بِالْرَّحْمَة وَالْسَّعَادَة الْأَبَدِيَّة ، وَالْثَّوَاب الْعَاجِل وَالْآجِل 0 هَذِه طَبِيْعَة الْإِنْسَان ، مِن حَيْث هُو ، إِلَا مَن هَدَاه الْلَّه )
( تَيْسِيْر الْكَرِيْم الْرَّحْمَن – 3 / 128 ) 0
2)- وَقَال تَعَالَى : ( يَاأَيُّهَا الْنَّاس قَد جَاءَتْكُم مَّوْعِظَة مِن رَبِّكُم وَشِفَاء لِمَا فِي
الْصُّدُوْر )
( سُوْرَة يُوْنُس - الْآَيَة 57 ) 0
* قَال الْشَّيْخ عَبْدُالْرَّحْمَن الْسَّعْدِي " وَشِفَاء لَمِا فِي الْصُّدُوْر " وَهُو : هَذَا الْقُرْآَن ، شِفَاء لِمَا فِي الْصُّدُوْر ، مِن أَمْرَاض الْشَّهَوَات الْصَّادِرَة عَن الِانْقِيَاد لِلْشَّرْع ، وَأَمْرَاض الشُّبُهَات ، الْقَادِحَة فِي الْعِلْم الْيَقِيْنِي 0 فَإِن مَا فِيْه مِن الْمَوَاعِظ ، وَالْتَّرْغِيْب ، وَالْتَّرْهِيْب ، وَالَوْعْد وَالْوَعِيْد ، مِمَّا يُوَجِّب لِلْعَبْد الرَّغْبَة وَالرَّهْبَة 0 وَإِذَا وَجَدْت فِيْه الرَّغْبَة فِي الْخَيْر ، وَالرَّهْبَة عَن الْشَّر ، وَنَّمَتَا عَلَى تَكَرُّر مَا يَرِد إِلَيْهَا ، مِن مَعَانِي الْقُرْآَن ، أَوْجَب ذَلِك ، تَقْدِيْم مُرَاد الْلَّه عَلَى مُرَاد الْنَّفْس ، وَصَار مَا يُرْضِي الْلَّه ، أُحِب إِلَى الْعَبْد مِن شَهْوَة نَفْسِه 0 وَكَذَلِك مَا فِيْه ، مِن الْبَرَاهِيْن ، وَالْأَدِلَّة الَّتِي صَرَفَهَا الْلَّه ، غَايَة الْتَّصْرِيف ، وَبَيْنَهَا أَحْسَن بَيَان ، مِمَّا يُزِيْل الشُّبَه الْقَادِحَة فِي الْحَق ، وَيَصِل بِه الْقَلْب إِلَى أَعْلَى دَرَجَات الْيَقِين 0 وَإِذَا صَح الْقَلْب مِن مَرَضِه ، وَرَفَل بِأَثْوَاب الْعَافِيَة ، تَبِعْتُه الْجَوَارِح كُلِّهَا ، فَإِنَّهَا تَصْلُح بِصَلَاحِه ، وَتُفْسِد بِفَسَادِه ) 0
( تَيْسِيْر الْكَرِيْم الْرَّحْمَن - 2 / 326 ) 0
3)- وَقَال تَعَالَى : ( قُل هُو لِلَّذِيْن ءَامَنُوا هُدى وَشِفَاء )
( سُوْرَة فُصِّلَت - الْآَيَة 44 ) 0
قَال الْشَّيْخ عَبْدُالْرَّحْمَن الْسَّعْدِي : ( وَلِهَذَا قَال : " (قُل هُو لِلَّذِيْن ءَامَنُوا هُدى وَشِفَاء ) " أَي : يَهْدِيْهِم لِطَّرِيْق الرُّشْد ، وَالْصِّرَاط الْمُسْتَقِيْم ، وَيُعَلِّمُهُم مَن الْعُلُوم الْنَّافِعَة مَا بِه تَحْصُل الْهِدَايَة الْتَّامَّة 0 وَشِفَاء لَهُم مِّن الْأَسْقَام الْبَدَنِيَّة ، وَالْأَسْقَام الْقَلْبِيَة ، لِأَنَّه يُزْجَر عَن مَسَاوِئ الْأَخْلَاق ، وَأَقْبَح الْأَعْمَال ، وَيَحُث عَلَى الْتَّوْبَة النَّصُوْح ، الَّتِي تَغْسِل الْذُّنُوب ، وَتَشْفِي الْقَلْب ) 0 ( تَيْسِيْر الْكَرِيْم الْرَّحْمَن - 4 / 403 ) 0
* أَقْوَال أَهَلُم الْعِلْم وَالْبَاحِثِيْن عَلَى أَن الْقُرْآَن الْكَرِيْم شِفَاء لِلْأَمْرَاض عَلَى اخْتِلَاف أَنْوَاعِهَا :-
قَال ابْن الْقَيِّم – رَحِمَه الْلَّه - : ( وَقَد اشْتَمَلَت الْفَاتِحَة عَلَى الشِّفَاءَين : شِفَاء الْقُلُوْب ، وَشِفَاء الْأَبْدَان 0
أَمَّا تَضَمَّنَهَا لِشِفَاء الْأَبْدَان : فَنَذْكُر مِنْه مَا جَاءَت فِيْه الْسُّنَّة ، ثُم سَاق - رَحِمَه الْلَّه – حَدِيْث أَبِي سَعِيْد الْخُدْرِي – رَضِي الْلَّه عَنْه – الَى أَن قَال : فَقَد تَضَمَّن هَذَا الْحَدِيْث حُصُوْل شِفَاء هـذَا الْلَّدِيغ بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة عَلَيْه ، فَأَغْنَتْه عَن الْدَّوَاء وَرُبَّمَا بَلَّغْت مِن شِفَائِه مَا لَم يَبْلُغَه الْدَّوَاء 0
هَذَا مَع كَوْن الْمَحَل غَيْر قَابِل ، إِمَّا لِكَوْن هَؤُلَاء الْحَي غَيْر مُسْلِمِيْن ، أَو أَهْل بُخْل وَلَؤُم ، فَكَيْف إِذَا كَان الْمَحَل قَابِلا ) 0
( تَهْذِيْب مَدَارِج الْسَّالِكِيْن – بِاخْتِصَار – ص 53 – 55 ) 0
* قَال الْشَّوْكَانِي : ( وَاخْتُلِف أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى كَوْنِه شِفَاء عَلَى قَوْلَيْن :-
الْأَوَّل : أَنَّه شِفَاء لِلْقُلُوْب بِزَوَال الْجَهْل عَنْهَا وَذَهَاب الْرَّيْب وَكُشِف الْغِطَاء عَن الْأُمُوْر الْدَّالَّة عَلَى الْلَّه 0
وَالْقَوْل الْثَّانِي : أَنَّه شِفَاء مِن الْأَمْرَاض الْظَّاهِرَة بِالْرُقِي وَالْتَّعَوُّذ وَنَحْو ذَلِك 0 وَلَا مَانِع مِن حَمْل الْشِّفَاء عَلَى الْمَعْنَيَيْن مِن بَاب عُمُوْم الْمَجَاز ، أَو مِن
بَاب حَمْل الْمُشْتَرَك عَلَى مَعْنَيَيْه ) 0 ( فَتْح الْقَدِيْر – 3 / 253 ) 0
وَقَال أَيْضا : ( أَخْرَج الْبَيْهَقِي فِي "شَعْب الْإِيْمَان" عَن وَائِلَة بْن الْأَسْقَع : أَن رَجُلَا شَكَا إِلَى الْنَّبِي صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم وَجَع حَلْقِه 0 فَقَال لَه رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم : " عَلَيْك بِقِرَاءَة الْقُرْآَن وَالْعَسَل فَالْقُرْآَن شِفَاء لِمَا فِي الْصُّدُوْر وَالْعَسَل شِفَاء مِن كُل دَاء "000 ) 0 ( قُلْت : وَلَم أَقِف عَلَى مَدَى صِحَة الْحَدِيْث آَنَف الْذِّكْر إِلَا أَن مَعْنَاه صَحِيْح كَمَا سَوْف يَتَّضِح مِن خِلَال الْآَيَات الْقُرْآنِيَّة وَالْأَحَادِيْث الْنَّبَوِيَّة الْشَّرِيْفَة الْدَّالَّة عَلَى ذَلِك ) 0 ( فَتْح الْقَدِيْر – 2 / 454 ، أَنْظُر سُنَن الْبَيْهَقِي الْكُبْرَى – 9 / 345 ) 0
* قَال الْسُّيُوْطِي وَأَخْرَج الْبَيْهَقِي عَن طَلْحَة بْن مُصَرِّف قَال : كَان يُقَال : أَن الْمَرِيْض إِذَا قُرِئ عِنْدَه الْقُرْآَن وَجَد لَه خِفّة 0 فَدَخَلْت عَلَى خَيْثَمَة وَهُو مَرِيْض فَقُلْت : إِنِّي أَرَاك الْيَوْم صَالِحا 0 قَال : إِنَّه قُرِئ عِنْدِي الْقُرْآَن ) 0
( الْدُّر الْمَنْثُوْر - 3 / 553 ) 0
* رَوَى الْخَطِيْب أَبُو بَكْر الْبَغْدَادِي – رَحِمَه الْلَّه – بِإِسْنَادِه قَال : ( أَن الرْمَاوِي الْحَافِظ الْحُجَّة أَبِي بَكْر بْن مَنْصُوْر كَان إِذَا اشْتَكَى شَيْئا قَال : هَاتُوْا أَصْحَاب الْحَدِيْث ، فَإِذَا حَضَرُوْا ، قَال " اقْرَءُوْا عَلَي الْحَدِيْث " قَال الْإِمَام النَّوَوِي : فَهَذَا فِي الْحَدِيْث فَالْقُرْآَن أَوْلَى ) 0
( تَذْكِرَة الْحَافِظ - 2 / 546 ، وَقَد ذَكَرَه الْنَّوَوِي فِي " الْتِّبْيَان فِي آَدَاب حَمَلَة الْقُرْآَن " ) 0
* قَال الْدُّكْتُوْر عُمَر يُوْسُف حَمْزَة : ( وَقَد ذَهَب عَدَد مَن الْعُلَمَاء إِلَى أَن الْقُرْآَن يَتَضَمَّن شِفَاء الْأَبْدَان كَمَا تَضَمَّن شِفَاء الْرُّوْح 0 وَمِن هَؤُلَاء الْعُلَمَاء الْإِمَام الْرَّازِي فِي الْتَّفْسِيْر الْكَبِيْر 21 / 35 وَالْإِمَام أَبُو حَيَّان فِي الْبَحْر الْمُحِيْط 6 / 74 وَالْقُرْطُبِي فِي الْجَامِع لَأَحْكَام الْقُرْآن 9 / 316 وَغَيْرِهِم ، وَذَكَرُوَا فِي تَأْيِيْد رَأْيَهُم بِأَن الْقُرْآَن شِفَاء مِن الْأَمْرَاض الْجُسْمَانِيَّة فَلِأَن الْتَّرْك بِقِرَاءَتِه يَدْفَع كَثِيْرَا مِن الْأَمْرَاض ، وَلَمَّا اعْتَرَف الْجُمْهُوْر مِن الْفَلَاسِفَة وَأَصْحَاب الْطَّلْسَمَات بِأَن لِقِرَاءَة الْرُّقِي الْمَجْهُوْلَة وَالعَزَايِم الَّتِي لَا يُفْهَم مِنْهَا شَيْء آَثَارَا عَظِيْمَة فِي تَحْصِيْل الْمَنَافِع وَدَفْع الْمَفَاسِد ، فَلَأَن تَكُوْن قِرَاءَة هَذَا الْقُرْآَن الْعَظِيْم الْمُشْتَمِل عَلَى ذِكْر جَلَال الْلَّه وَكِبْرِيَائِه وَتَعْظِيْم الْمَلَائِكَة الْمُقَرَّبِيْن وَتَحْقِيْر الْمَرَدَة وَالْشَّيَاطِيْن سَبَبَا لِحُصُوْل الْنَفْع فِي الْدِّيْن وَالْدُّنْيَا كَان أَوْلَى وَيَتَأَكَّد مَا ذَكَرْنَا بِالْأَحَادِيْث الْصَّحِيْحَة ) 0
( الْتَّدَاوِي بِالْقُرْآَن وَالْسُّنَّة وَالْحَبَّة الْسَّوْدَاء – ص 41 ) 0
* قَال الْأُسْتَاذ سَعِيْد اللَّحَّام : ( الْقُرْآَن الْكَرِيْم هُو هُدَى وَشِفَاء لِلَّذِيْن آَمَنُوْا أَمَّا الَّذِيْن لَم يُؤْمِنُوَا فَهَؤُلَاء لَم يَهْتَدُوَا بِهَدْيِه وَأَصَرُّوا عَلَى ضَلَالَاتِهِم وَكُفْرِهِم 0
وَالَّذِين لَا يُؤْمِنُوْن بِمَا قَدَّر الْلَّه مَن الْشِّفَاء بِه ، شِفَاء الْعُقُوْل مِن الْشِّرْك وَالْكُفْر وَالْنِّفَاق وَالْعَمَى عَن طَرِيْق الْحَق ، وَشِفَاء لِلْنُّفُوس مِن أَدْوَائِهَا كَالْحَسَد وَالْضَّغِيْنَة وَحُب الْدُّنْيَا وَشَهَوَاتُهَا وَالتَّكَالُب عَلَيْهَا وَالْسَّعْي خَلَف الْمُحَرَّمَات فِيْهَا وَشِفَاء لِلْصُّدُور مِمَّا بِهَا مِن ضِيْق وَتَعَب وَنَصَب وَقَلِق 0
وَهُو شِفَاء لِكُل مَا تُسَبِّبُه أَدْوَاء وَأَوْصَاب الْعَقَل وَالْنَّفْس وَالْصَّدْر مِن أَمْرَاض ، وَهُو شِفَاء أَيْضا لِبَعْض مَا قَدَّرَه الْلَّه عَلَى الْعِبَاد مِن أَمْرَاض ) 0
( الْتَّدَاوِي بِالْقُرْآَن الْكَرِيْم – ص 22 – 23 ) 0
قُلْت : وَمِن خِلَال تَتَّبِع الْنُّصُوص الْقُرْآنِيَّة وَالحَدِيْثِيَّة وْأَقْوَال أَهْل الْعَلْم الْأَجِلَّاء يَتَّضِح بِمَا لَا يَدَع مَجَالا لِلْشَك بِأَن الْقُرْآَن شِفَاء لِأَمْرَاض الْقُلُوُب مِن حِقْد وَحَسَد وَنَمِيْمَة وَنَحْوِه ، وَكَذَلِك هُو شِفَاء لِأَمْرَاض الْأَبْدَان عَلَى اخْتِلَاف أَنْوَاعِهَا وَبِحَسَب مَرَاتِبِهَا ، وَكُل ذَلِك يَحْتَاج مِن الْمِرَيْض لِلْإِرَادَة وَالْعَزِيْمَة وَالْيَقِين الْتَّام بِكُل آَيَة بَل بِكُل حَرْف مِن كِتَاب الْلَّه عَز وَجَل ، وَبِكِل مَا نَطَق بِه رَسُوْل الْلَّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَسَلَّم مَن الْسُّنَّة الْمَأْثُوْرَة