أمّا الجهة الشرعيّة، فنقول:
إنّ الموضوعات العرفيّة التي هي موضوعات للاحكام الشرعيّة، لابدّ وأن يؤخذ معناها ومدي نطاق سعتها وضيقها وإطلاقها وتقييدها وسائر خصوصيّاتها، من العرف؛ كالبيع مثلاً.
فإذا قال الشارعسبحانه وتعالى : (يَسْـَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، و شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي´ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ، و مَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) شهر عند العرف.
ونحن نري أنّ العرف كان يسمّي الشهر وابتداءه الذي هو أوّل دخول الليل، عند ما وجد الهلال المرئيّ فوق الاُفق ولو بعد ساعات من خروجه عن تحت الشعاع.
فبناءً عليه، ليلة أوّل رمضان هو أوّل ليلة لم يسبق برمضان ولو بساعة واحدة.
مثلاً إذا فرضنا أنّ القمر خرج عن تحت الشعاع ورئي في إسبانيا في مادريد البعيدة عن طهران بثلاث ساعات وأربعين دقيقة غرباً، وقد مضي من الليل بافق طهران هذا المقدار، ومضي من البلاد الشرقيّة بالنسبة إليه كبلاد الصين واليابان أكثر من هذا المقدار جدّاً؛ فهذه الليلة تعدّ من الشهر السابق.
وربّما طلع القمر في إسبانيا أوّل دخول ليلهم، وقد طلع الفجر في تلك البلاد الشرقيّة. فأهل إسبانيا إذا رأوا هلال رمضان يصبحون صائمين، وأهل الصين واليابان يصبحون مجوّزين للاءفطار. وهؤلاء إذا رأوا هلال شوّال يصبحون مفطرين، وهؤلاء يصبحون صائمين.
هذا مضافاً إلي أنّ الشارع في ما اتّفق الفريقان بروايات مستفيضة، صرّح بأنّ المدار في دخول الشهر هو الرؤية في الصيام والحجّ والعمرة وقضاء الديون وسائر الاُمور مثل الاحكام والمسنونات المترتّبة علي الشهور كرجب وشعبان والمحرّم وصفر وغيرها؛ فالخروج عن هذا والالتزام بكفاية خروج القمر عن تحت الشعاع في مبدئيّة الشهر و هو آن واحد ولحظة واحدة في جميع العالم يوجب الخروج عن جميع هذه الاحكام البالغة إجمالاً حدّ الضرورة من الدين، والالتزامَ بفقه جديد لايشبه شي منه شيئاً من الفقه، وقلبَ السنّة ظهراً لبطن.
مجعوليّة الرؤية ، علي سبيل الموضوعيّة لا الطريقيّة
هذا مضافاً إلي أنّ الالتزام بكفاية مجرّد خروج القمر عن تحت الشعاع، يستلزم العلم بدخول الشهر بسبب العلم بخروج القمر ولو لم تتحقّق في العالم رؤية أبداً، فتصير الرؤية كاشفةً محضةً (مع أنّ الروايات تدلّ علي موضوعيّتها). فإذاً لابدّ من الحكم بدخول الشهر إذا علمنا خروجه بالاءرصاد، و الآلات الحديثة التي رئي بها القمر في ما إذا كانت الرؤية بالعيون العاديّة غير المسلّحة محالاً، أو بحساب المنجّم الماهر الخبير المطّلع من الزيجات الدقيقة، فهو يحسب لنا دقيقاً أنّ خروج القمر عن تحت الشعاع إنّما يكون بعد 29 يوماً و12 عةً و44 قةً من الشهر الماضي تقريباً، ويدلّنا علي هذه الشهور واحداً بعد واحد إلي عشرة الآف سنة فنستريح من هذه الضوضاء.
إن قلتَ: إنّ الروايات دلّت علي أنّ للرؤية دخلاً في الجملة في تحقّق الحكم، فلا بدّ بعد خروج القمر عن تحت الشعاع من أن يري' في ناحية ما حتّي نحكم بدخول الشهر.
قلتُ: إنّا نعلم علماً يقينيّاً أنّ خروج القمر عن تحت الشعاع في أيّة نقطة من نقاط العالم تحقّق، يراه خلق كثير من أهالي تلك النواحي، فالرؤية قد تحقّقت؛ ورؤيتنا علي حسب المدّعي غير لازمة، فالشهر داخل بلا رؤية منّا في آفاقنا القريبة، فتصير إناطة الروايات بالرؤية لغواً لانّ الرؤية الاءجماليّة علي أيّ حال موجودة.
إن قلتَ: لايمكن الالتزام بذلك؛ لانّ ظاهر الاخبار هو الرؤية الحاصلة منّا أو الواصل خبرها إلينا، فهي الدخيلة.
قلتُ: فإذاً لا مناص من رفع اليد عن الحكم بدخول الشهر بمجرّد الخروج عن تحت الشعاع مع رؤية ما.
وهذه التوالي التي أشرنا إلي بعضها لاتكاد تخفي علي المتأمّل في حاقّ المسألة. ولذلك لم يذهب أحد من العلماء إلي هذا؛ والذين ذهبوا إلي عدم لزوم الاشتراك في الآفاق ذهبوا إلي أنّ خروج القمر عن تحت الشعاع ورؤيته ولو بعد ساعات من الليل في أُفق ما دخيل في جعل الليل من أوّله من الشهر الجديد بنحو الشرط المتأخّر. وسيأتي الكلام في عدم نهوض أدلّتهم علي هذا المرام أيضاً.
فإن قيل: إذا خرج القمر عن تحت الشعاع ورئي في بلد ما، نحكم بدخول الشهر في جميع البلاد مبتدأً بالليل، ونلتزم بأنّ الساعات السابقة عن خروج القمر تحسب من ذلك الشهر.
مثلاً إذا خرج ورئي في إسبانيا في مادريد ليلة العيد، نحكم بأنّ تلك الليلة التي مضي منها في طهران قدر ثلاث ساعات وأربعين دقيقةً، كلّها ليلة الفطر. وهكذا في جميع البلاد إلي الصين واليابان نحكم بأنّ جميع الليلة يحسب من الفطر، وإن مضي من بعضها قدر تسع أو عشر ساعات.
قلنا: أوّلاً إنّه دعوي بلا دليل.
وثانياً، إذا التُزم بأنّ مناط دخول الشهر القمريّ هو نفس خروج القمر عن تحت الشعاع وهو أمر واحد سماويّ في جميع العالم لا ربط له بالارض و مشارقها ومغاربها (و هذا عمدة الدليل الذي ربّما يُتمسّك به مع الاءطلاقات علي عدم لزوم الاشتراك في الآفاق وكفاية رؤيةٍ ما في بلد ما لجميع العالم) فإذاً إنّ ذلك مناف للدليل وخروج عن البناء الذي بُني، وهَدمٌ لاساسه من رأس.
ثمّ إنّه إذا خرج القمر عن تحت الشعاع [ وفرضنا بلداً واقعاً ] في النصف الآخر من كرة الارض في أوّل نهاره أو وسطه أو آخره، فكيف يمكن الحكم بأنّ هذه المدّة الطويلة من أوّل الليل إلي هذا الحدّ من الزمان تكون من الشهر اللاحق.
التفصيل بين البلاد الواقعة فوق الارض والواقعة تحتها، لا يدفع الاشكال
ومن هذا يعلم أنّ دفع الاءشكال بأنّ عدم لزوم الاشتراك في الآفاق إنّما هو في فوق الارض دون تحتها، لا يدفع المحذور أبداً بل يزيد في الاءشكال.
فنسأل أوّلاً: إذا حكم بأنّ المناط هو نفس الخروج، وهو أمر وحدانيّ لايتغيّر بحركة الارض والمشارق والمغارب؛ فكيف الفرق بين فوق الارض وتحتها ؟ فهل هذا إلاّ هدم لاساس الدليل ؟
وثانياً: أيّ مزيّة في جعلنا هذا الحكم لفوق الارض دون تحتها، بل نجعله لتحت الارض دون فوقها؛ ومعلوم أنّ الفوقيّة والتحتيّة أمران إضافيّان لايلتزم بأحدهما دون الآخر إلاّ بالدليل.
ثمّ أين مبدأ تمييز البلاد التي تكون فوق الارض دون تحتها، وأيّ بلد من البلاد هوالبلد الذي جعل مبدأً للحكم ؟
إذا جعلنا هذا البلد مثل الصين واليابان، فجميع قارّة آسية وأُروبة وإفريقيّة يكون مشمولاً للحكم؛ وأمّا إذا جعلناه مثل إيران والعراق، فجميع الممالك الغربيّة وبعض الممالك الامريكيّة يكون مشمولاً له؛ وإذا جعلناه مثل إسبانيا والبرتغال، فجميع الممالك الامريكيّة يكون مشمولاً له.
هذا إذا أُريد ترتّب الحكم علي عنوان الفوقيّة، وأمّا إذا أُريد ترتّبه علي النواحي القريبة التي يكون اختلافها بالنسبة إلي محلّ الرؤية ستّ ساعات مثلاً دون البعيدة الواقعة تحت الارض التي يكون اختلافها اثنتي عشرة ساعةً أو أكثر، ففيه:
أيّ مناط خارجيّ في تعيين محلّ القرب والبعد؛ وأيّ دليل شرعيّ لهذا الفرق ؟ والاءطلاقات إن يؤخذ بها فلا مجال فيها لهذا التفصيل، وإن لم يؤخذ بها فانصرافها إلي البلاد التي يكون الهلال فوق أُفقها والمانع من رؤيته أمر عارضيّ من سحب أو غيوم المعبّر عنها بالبلاد المتّحدة الآفاق، هو المتعيّن.
وإذا أُريد أنّ الاءطلاقات منصرفة إلي النواحي المعمورة من الارض، وحيث إنّ تحتها لم يكن معموراً في ذلك الزمان لا يكون الحكم شاملاً له؛ ففيه: هلاّ يُلتزم هذا في الصلاة والصوم والحجّ وغيرها من الاحكام، والتُزم باختصاصه بالنسبة إلي رؤية الهلال ومطالع القمر ؟
مع أنّ سياق جميع إطلاقات الاحكام الواردة، من هذه الجهة علي نسق واحد.
والحقّ عدم الفرق في المعمورة وغيرها. لانـّه مضافاً إلي أنّ القدر المتيقّن في الخارج أو في مقام التخاطب لا يوجب الانصراف؛ تدفعه العمومات المنصوصة مثل قوله تعالي: وَ مَآ أَرْسَلْنَـ'كَ إِلاَّ كَآفَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَ نَذِيرًا ، وقوله تعاليSad وَ مَآ أَرْسَلْنَـكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَـلَمِينَ )
وقوله عليه السلام: إنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَي حُكْمًا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ؛ بلا فرق بين أهالي الاراضي المعمورة وغيرهم من حيث الشمول والاءطلاق والتقييد وسائر الجهات.
فهذه أُمور كلّما دقّق فيها النظر، تزيد في الاءشكال والغموض؛ فرفعها لايمكن إلاّ برفع اليد عن الحكم المبحوث عنه، وهو أتقن وأسهل.
إنّ الموضوعات العرفيّة التي هي موضوعات للاحكام الشرعيّة، لابدّ وأن يؤخذ معناها ومدي نطاق سعتها وضيقها وإطلاقها وتقييدها وسائر خصوصيّاتها، من العرف؛ كالبيع مثلاً.
فإذا قال الشارعسبحانه وتعالى : (يَسْـَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، و شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي´ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ، و مَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) شهر عند العرف.
ونحن نري أنّ العرف كان يسمّي الشهر وابتداءه الذي هو أوّل دخول الليل، عند ما وجد الهلال المرئيّ فوق الاُفق ولو بعد ساعات من خروجه عن تحت الشعاع.
فبناءً عليه، ليلة أوّل رمضان هو أوّل ليلة لم يسبق برمضان ولو بساعة واحدة.
مثلاً إذا فرضنا أنّ القمر خرج عن تحت الشعاع ورئي في إسبانيا في مادريد البعيدة عن طهران بثلاث ساعات وأربعين دقيقة غرباً، وقد مضي من الليل بافق طهران هذا المقدار، ومضي من البلاد الشرقيّة بالنسبة إليه كبلاد الصين واليابان أكثر من هذا المقدار جدّاً؛ فهذه الليلة تعدّ من الشهر السابق.
وربّما طلع القمر في إسبانيا أوّل دخول ليلهم، وقد طلع الفجر في تلك البلاد الشرقيّة. فأهل إسبانيا إذا رأوا هلال رمضان يصبحون صائمين، وأهل الصين واليابان يصبحون مجوّزين للاءفطار. وهؤلاء إذا رأوا هلال شوّال يصبحون مفطرين، وهؤلاء يصبحون صائمين.
هذا مضافاً إلي أنّ الشارع في ما اتّفق الفريقان بروايات مستفيضة، صرّح بأنّ المدار في دخول الشهر هو الرؤية في الصيام والحجّ والعمرة وقضاء الديون وسائر الاُمور مثل الاحكام والمسنونات المترتّبة علي الشهور كرجب وشعبان والمحرّم وصفر وغيرها؛ فالخروج عن هذا والالتزام بكفاية خروج القمر عن تحت الشعاع في مبدئيّة الشهر و هو آن واحد ولحظة واحدة في جميع العالم يوجب الخروج عن جميع هذه الاحكام البالغة إجمالاً حدّ الضرورة من الدين، والالتزامَ بفقه جديد لايشبه شي منه شيئاً من الفقه، وقلبَ السنّة ظهراً لبطن.
مجعوليّة الرؤية ، علي سبيل الموضوعيّة لا الطريقيّة
هذا مضافاً إلي أنّ الالتزام بكفاية مجرّد خروج القمر عن تحت الشعاع، يستلزم العلم بدخول الشهر بسبب العلم بخروج القمر ولو لم تتحقّق في العالم رؤية أبداً، فتصير الرؤية كاشفةً محضةً (مع أنّ الروايات تدلّ علي موضوعيّتها). فإذاً لابدّ من الحكم بدخول الشهر إذا علمنا خروجه بالاءرصاد، و الآلات الحديثة التي رئي بها القمر في ما إذا كانت الرؤية بالعيون العاديّة غير المسلّحة محالاً، أو بحساب المنجّم الماهر الخبير المطّلع من الزيجات الدقيقة، فهو يحسب لنا دقيقاً أنّ خروج القمر عن تحت الشعاع إنّما يكون بعد 29 يوماً و12 عةً و44 قةً من الشهر الماضي تقريباً، ويدلّنا علي هذه الشهور واحداً بعد واحد إلي عشرة الآف سنة فنستريح من هذه الضوضاء.
إن قلتَ: إنّ الروايات دلّت علي أنّ للرؤية دخلاً في الجملة في تحقّق الحكم، فلا بدّ بعد خروج القمر عن تحت الشعاع من أن يري' في ناحية ما حتّي نحكم بدخول الشهر.
قلتُ: إنّا نعلم علماً يقينيّاً أنّ خروج القمر عن تحت الشعاع في أيّة نقطة من نقاط العالم تحقّق، يراه خلق كثير من أهالي تلك النواحي، فالرؤية قد تحقّقت؛ ورؤيتنا علي حسب المدّعي غير لازمة، فالشهر داخل بلا رؤية منّا في آفاقنا القريبة، فتصير إناطة الروايات بالرؤية لغواً لانّ الرؤية الاءجماليّة علي أيّ حال موجودة.
إن قلتَ: لايمكن الالتزام بذلك؛ لانّ ظاهر الاخبار هو الرؤية الحاصلة منّا أو الواصل خبرها إلينا، فهي الدخيلة.
قلتُ: فإذاً لا مناص من رفع اليد عن الحكم بدخول الشهر بمجرّد الخروج عن تحت الشعاع مع رؤية ما.
وهذه التوالي التي أشرنا إلي بعضها لاتكاد تخفي علي المتأمّل في حاقّ المسألة. ولذلك لم يذهب أحد من العلماء إلي هذا؛ والذين ذهبوا إلي عدم لزوم الاشتراك في الآفاق ذهبوا إلي أنّ خروج القمر عن تحت الشعاع ورؤيته ولو بعد ساعات من الليل في أُفق ما دخيل في جعل الليل من أوّله من الشهر الجديد بنحو الشرط المتأخّر. وسيأتي الكلام في عدم نهوض أدلّتهم علي هذا المرام أيضاً.
فإن قيل: إذا خرج القمر عن تحت الشعاع ورئي في بلد ما، نحكم بدخول الشهر في جميع البلاد مبتدأً بالليل، ونلتزم بأنّ الساعات السابقة عن خروج القمر تحسب من ذلك الشهر.
مثلاً إذا خرج ورئي في إسبانيا في مادريد ليلة العيد، نحكم بأنّ تلك الليلة التي مضي منها في طهران قدر ثلاث ساعات وأربعين دقيقةً، كلّها ليلة الفطر. وهكذا في جميع البلاد إلي الصين واليابان نحكم بأنّ جميع الليلة يحسب من الفطر، وإن مضي من بعضها قدر تسع أو عشر ساعات.
قلنا: أوّلاً إنّه دعوي بلا دليل.
وثانياً، إذا التُزم بأنّ مناط دخول الشهر القمريّ هو نفس خروج القمر عن تحت الشعاع وهو أمر واحد سماويّ في جميع العالم لا ربط له بالارض و مشارقها ومغاربها (و هذا عمدة الدليل الذي ربّما يُتمسّك به مع الاءطلاقات علي عدم لزوم الاشتراك في الآفاق وكفاية رؤيةٍ ما في بلد ما لجميع العالم) فإذاً إنّ ذلك مناف للدليل وخروج عن البناء الذي بُني، وهَدمٌ لاساسه من رأس.
ثمّ إنّه إذا خرج القمر عن تحت الشعاع [ وفرضنا بلداً واقعاً ] في النصف الآخر من كرة الارض في أوّل نهاره أو وسطه أو آخره، فكيف يمكن الحكم بأنّ هذه المدّة الطويلة من أوّل الليل إلي هذا الحدّ من الزمان تكون من الشهر اللاحق.
التفصيل بين البلاد الواقعة فوق الارض والواقعة تحتها، لا يدفع الاشكال
ومن هذا يعلم أنّ دفع الاءشكال بأنّ عدم لزوم الاشتراك في الآفاق إنّما هو في فوق الارض دون تحتها، لا يدفع المحذور أبداً بل يزيد في الاءشكال.
فنسأل أوّلاً: إذا حكم بأنّ المناط هو نفس الخروج، وهو أمر وحدانيّ لايتغيّر بحركة الارض والمشارق والمغارب؛ فكيف الفرق بين فوق الارض وتحتها ؟ فهل هذا إلاّ هدم لاساس الدليل ؟
وثانياً: أيّ مزيّة في جعلنا هذا الحكم لفوق الارض دون تحتها، بل نجعله لتحت الارض دون فوقها؛ ومعلوم أنّ الفوقيّة والتحتيّة أمران إضافيّان لايلتزم بأحدهما دون الآخر إلاّ بالدليل.
ثمّ أين مبدأ تمييز البلاد التي تكون فوق الارض دون تحتها، وأيّ بلد من البلاد هوالبلد الذي جعل مبدأً للحكم ؟
إذا جعلنا هذا البلد مثل الصين واليابان، فجميع قارّة آسية وأُروبة وإفريقيّة يكون مشمولاً للحكم؛ وأمّا إذا جعلناه مثل إيران والعراق، فجميع الممالك الغربيّة وبعض الممالك الامريكيّة يكون مشمولاً له؛ وإذا جعلناه مثل إسبانيا والبرتغال، فجميع الممالك الامريكيّة يكون مشمولاً له.
هذا إذا أُريد ترتّب الحكم علي عنوان الفوقيّة، وأمّا إذا أُريد ترتّبه علي النواحي القريبة التي يكون اختلافها بالنسبة إلي محلّ الرؤية ستّ ساعات مثلاً دون البعيدة الواقعة تحت الارض التي يكون اختلافها اثنتي عشرة ساعةً أو أكثر، ففيه:
أيّ مناط خارجيّ في تعيين محلّ القرب والبعد؛ وأيّ دليل شرعيّ لهذا الفرق ؟ والاءطلاقات إن يؤخذ بها فلا مجال فيها لهذا التفصيل، وإن لم يؤخذ بها فانصرافها إلي البلاد التي يكون الهلال فوق أُفقها والمانع من رؤيته أمر عارضيّ من سحب أو غيوم المعبّر عنها بالبلاد المتّحدة الآفاق، هو المتعيّن.
وإذا أُريد أنّ الاءطلاقات منصرفة إلي النواحي المعمورة من الارض، وحيث إنّ تحتها لم يكن معموراً في ذلك الزمان لا يكون الحكم شاملاً له؛ ففيه: هلاّ يُلتزم هذا في الصلاة والصوم والحجّ وغيرها من الاحكام، والتُزم باختصاصه بالنسبة إلي رؤية الهلال ومطالع القمر ؟
مع أنّ سياق جميع إطلاقات الاحكام الواردة، من هذه الجهة علي نسق واحد.
والحقّ عدم الفرق في المعمورة وغيرها. لانـّه مضافاً إلي أنّ القدر المتيقّن في الخارج أو في مقام التخاطب لا يوجب الانصراف؛ تدفعه العمومات المنصوصة مثل قوله تعالي: وَ مَآ أَرْسَلْنَـ'كَ إِلاَّ كَآفَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَ نَذِيرًا ، وقوله تعاليSad وَ مَآ أَرْسَلْنَـكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَـلَمِينَ )
وقوله عليه السلام: إنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَي حُكْمًا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ؛ بلا فرق بين أهالي الاراضي المعمورة وغيرهم من حيث الشمول والاءطلاق والتقييد وسائر الجهات.
فهذه أُمور كلّما دقّق فيها النظر، تزيد في الاءشكال والغموض؛ فرفعها لايمكن إلاّ برفع اليد عن الحكم المبحوث عنه، وهو أتقن وأسهل.