تتحول بعض النساء الغيورات إلى كائنات مرعبة.
لم يعد الحديث عن الغيرة، التي تشعل الحريق في قلوب بعض النساء، مقصوراً على الألم النفسي الذي تسببه، بل يمكن أن تتحول هذه المشاعر إلى نيران حقيقية، تحرق بها المرأة كل مَن حولها. إذ سَطَّر دفتر الواقع في الأيام الأخيرة كثيراً من الحوادث والجرائم، التي تسببت فيها النساء، وكانت الغيرة هي الدافع إلى هذه النيران الحقيقية، التي استخدمتها هؤلاء النسوة، ضد من كانوا طرفاً في موضوع الغيرة أو حتى ضد أنفسهن. وللتذكير فقط، إنه قبل سنتين تقريباً، وبدافع الغيرة، قامت سيدة كويتية بإشعال النيران في خيمة عرس زوجها السابق لإفساد فرحته بزواجه بأخرى. وقد تسبب هذا الحريق في وفاة 81 شخصاً ما بين امرأة وطفل حرقاً، فتحولت هذه الزوجة بين عشية وضحاها إلى مجرمة، لتصبح بعد ذلك أول مواطنة كويتية يتم إصدار حكم نهائي بإعدامها.
وسيارة أيضاً
ويبدو أن حادثة الكويت، فتحت الباب على مصراعيه أمام النساء الغيورات، حيث أشعلت سيدة سعودية، من نجران، النار في سيارة زوجها السابق عندما كان في بيته، وتبيَّـن أنها قطعت كيلومترات عديدة، إلى مكان الحادثة سيراً، وهي حاملة معها كمية من البنزين وفأساً. وقال شهود عيان في موقع الحادث، إنّ السيدة كانت تتوعّد بإحراق البيت أيضاًً، بينما أوضح الرجل أنه طلق السيدة وتزوج بأخرى.
ماء مُغلَى
وعلى طريقة أغنية وردة الجزائرية «جرّب نار الغيرة»، أقدمت زوجة سعودية شابَّة على حرق وجه زوجها الوسيم، عن طريق إلقاء الماء المُغلى عليه وهو نائم، بسبب غيرتها عليه. وكان قد نشبت بين الزوجين، اللذين لم يمضِ على زواجهما سوى 6 شهور، خلافات عديدة بسبب غيرة الزوجة من قيام زوجها بوضع صورته الشخصية على موقع «فيس بوك» وبعض المنتديات، وقام الزوج بعد ذلك برفع دعوى قضائية ضد زوجته، مطالباً بمحاكمتها على فعلتها، واسترداد المهر الذي دفعه لها.
هيفاء وهبي
ولم يَنْجُ زوج كويتي هو الآخر من نار غيرة زوجته، التي سكبت الماء الساخن على كامل جسده. وتعود تفاصيل الحادثة إلى أن الزوج كان من المولعين بمتابعة الفضائيات، وما تبثه من برامج وأغانٍ على وجه الخصوص، وكان دائماً يقارن بين زوجته والمطربات وفاتنات الفضائيات، اللواتي يظهرن على الشاشة في أحلى صورة وأجمل حُـلّـة، خاصة هيفاء وهبي، متهماً زوجته بعدم الاهتمام بمظهرها وجَمالها، الأمر الذي أشعل نار الغيرة في نفس الزوجة، فهُرعت إلى المطبخ برفقة ابنتها الكبرى، وقامت بتسخين الماء في عاء كبير وصبّته على جسد زوجها كاملاً أثناء متابعته الفضائيات. وعلى الفور، أُدخل الزوج العناية المركزة في حالة خطرة، واقتيدت الزوجة إلى سجن النساء.
أشعلتها في نفسها
وإذا كان الحب الشديد والغيرة التي ليست لها حدود، قد يقودان المرأة إلى استخدام النار في إحراق مَن حولها، إلا أنهما قد يدفعانها أيضاً إلى حرق نفسها شخصياً، حيث نقلت «وكالة أنباء الأناضول»، أن سيدة تركية قامت بحرق نفسها في اسطنبول بعد مُشادّة عنيفة مع زوجها بسبب الغيرة. وذكرت الوكالة أن تنزيلي أكتاس (30 عاماً)، التي كانت تشتبه في أن شريكها قادر بوير (37 عاماً) يخونها مع نساء أخريات، رشّت نفسها بالبنزين، وأضرمت النار في نفسها داخل سيارته وعلى مرأى منه. وكان الزوجان قد عقدا قرانهما قبل عشرة أعوام، وتوفيت الزوجة في المستشفى متأثرة بإصابتها، بينما أصيب زوجها بحروق في ذراعيه وساقيه أثناء محاولته إنقاذها.
هذه الحوادث وغيرها، التي كانت الغيرة المدمرة عاملاً رئيسياً فيها، تطرح أسئلة عديدة، منها: كيف، ولماذا تصل الغيرة بالمرأة إلى هذا الحد؟ ومتى تتحول الغيور إلى امرأة قابلة للاشتعال؟ في المقابل، ما وَقْع أخبار من هذا النوع على أبناء آدم على وجه الخصوص؟ وما هي ردود فعل الناس تجاه مثل هذه الحوادث؟ وأخيراً، هل الزوج بريء على طول الخط؟ أم لعلّه مسؤول عن إيقاظ بُركان شر كامن داخل زوجته؟ «زهرة الخليج» طرحت هذه الأسئلة على مجموعة من الرجال والنساء.
الرجل ثم الرجل
«وراء كل امرأة غيور ارتكبت جريمة.. رجل دفعها إلى ذلك». بهذه العبارة بدأت رقية بشير (موظفة) حديثها عن هذا الموضوع، وهي تُحمّل أبناء آدم جانباً كبيراً من المسؤولية في وصول المرأة إلى هذه المرحلة. تقول وعلى ملامحها نظرة جادة: «غيرة المرأة جزء من كينونتها كأنثى، فإذا تَعمَّد الرجل استفزاز هذا الجانب فيها بتصرفات تثير غيرتها، فإنه بذلك يدفعها إلى التصرف بجنون، لأنها تشعر بجرح في كبريائها وأنوثتها. وعادة ما يكون رد فعلها على قدر الاستفزاز، إذ إنّ كل الجرائم التي نقرأ عنها بسبب غيرة المرأة، نجد أن فيها استفزازاً شديداً، وضغطاً تم على المرأة حتى فعلت ما فعلت». على الرغم من التبريرات التي ساقتها لتوضيح الدوافع التي تقود المرأة الغيور إلى مثل هذه التصرفات، إلا أن رقية لا تجد العذر أبداً للنساء اللواتي تصل بهن الغيرة إلى درجة إيذاء الآخرين. وتقول: «لا شيء يستحق أن نهدم حياتنا من أجله، فمن تتأكد من خيانة زوجها لها، عليها إما مُصارحته ومعالجة الأسباب التي أدت به إلى ذلك، أو أن تنفصل عنه بالمعروف، لكن أن تصل الأمور إلى حد الحرق والقتل فلا.. وألف لا
صمام أمان
تعترف أحلام بوطريوش (ربة منزل، متزوجة منذ أكثر من عامين) بغيرتها على زوجها، حيث تقول: «لا توجد امرأة في الكون تحب زوجها ولا تغار عليه، إذ إنّ الغيرة أمر طبيعي وعادي». ت***: «الغيرة هي بمثابة شعور لا فطري مركّب في المرأة. ولكن، مع ذلك، فإن في إمكان المرأة التحصُّن من تداعياته بصمام أمان، يتمثل في السيطرة على الانفعالات». إلا أن أحلام تبرئ نفسها من تهمة الغيرة الشديدة، حيث تعترف بأن «الغيرة في حياتي مثل رشّة ملح، أي أنها تجدد العلاقة بيني وبين زوجي وتضفي عليها الحيوية، حيث إنني قادرة على السيطرة على انفعالاتي عندما تنتابني حالة الغيرة، كذلك أثق بزوجي بما فيه الكفاية، وثقتي هذه تجعلني دائماً مطمئنة
غيرة حمقاء
كذلك، تَنْأى سبأ محمد (ربة منزل، متزوجة منذ 4 أعوام) بنفسها عن «الغيرة الحمقاء» كما تسميها. تقول: «أنا لست من النوع الذي يظن أن أي امرأة هي مشروع صيد لزوجي. فهناك نساء ينظرن إلى الرجل على أنه صياد، مهمته فقط مطاردة النساء، أما أنا فواثقة بنفسي وبحب زوجي وإخلاصه لي». وتشير سبأ إلى أن «هناك نساء يعشن في قلق مستمر تتقاذفهن رياح الشك يميناً ويساراً بسبب الأخريات». ت***: «إذا تركت المرأة نفسها للهواجس، ربما تصل إلى مراحل خطيرة، قد تؤدي إلى نتائج أخطر، من ضمنها فقدان الزوج نفسه.
تأكيد مِلكية
بدورها، تدافع جُنينة المحواش (موظفة، عازبة) عن بنات جنسها في مسألة الغيرة ودوافعها ونتائجها، بحيث تساوي بين الرجل والمرأة في هذا الشعور بقولها: «إن الغيرة هي خليط من دوافع شتى، كما تختلف من شخص إلى آخَر حسب تربيته وثقافة مجتمعه والبيئة المحيطة به، لكن الدافع المتمكن فيها هو حُب التملك. والرجل والمرأة لديهما الدافع نفسه الذي يجعل كلاًّ منهما يعاني الغيرة». ت***: «ليس هذا فحسب، بل إن جرائم الرجل بسبب الغيرة تفوق جرائم النساء». وتجد جُنينة أن «الغيرة هي وسيلة يهدف من خلالها الغيور إلى تأكيد مِلكيته الطرف الآخَر بشتّى السبل، حتى إذا هُددت هذه الملكية حاول أن يزيل هذا التهديد. ومن هنا، فإن هذه المحاولة قد تنحرف وتسير على درب الجريمة من دون وعي منه.
دليل
«الغيرة هي إحدى الطرق التي تعتمدها النساء للحفاظ على البيت، وهي رائعة إذا سارت في الطريق الصحيح». هذا ما يوضحه أحمد فريد (موظف، خاطب منذ 6 شهور). ي***: «كرجل، يُسعدني أن تغار خطيبتي عليّ بشكل معتدل، فذلك يشعرني بأهميتي لديها. إلا أن المرأة، إذا لم تنجح في السيطرة على انفعالها، فقد ينتج عن ذلك سلوك غير سَوي، ربما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه». إلا أن أحمد لا يتفق مع الفكرة السائدة، أن الغيرة هي دليل على الحب، ويرى أنها «قد تكون دليلاً على أمور أخرى بعيدة تماماً عن الحب، خاصة لدى النساء المسيطرات». إذ يؤكد أن «هذا النوع من النساء، يخنق الرجل بغيرته»، لافتاً إلى أنه «قد تنقلب الصورة على المرأة غالباً، فالزوجة التي تُفرِط في غيرتها على زوجها قد تخسره إلى الأبد.
فورة مشاعر
«الغيرة المحمودة، التي يحبها الرجل في المرأة» كما يراها مصعب عثمان (موظف، عازب) «هي التي تنبع من الحب والحرص على الشريك». ولكن مصعب يشير إلى أن «الغيرة التي تنبع من التحكم والشك وسوء الظن، هي التي تقود إلى نتائج مدمرة». ي*** موضحاً: «إن المرأة في أغلب الأحيان تكون مدفوعة بمشاعرها وعواطفها، وهذا أمر فطري فيها، فهي تقع في الحب سريعاً، تماماً كما تكره سريعاً، وغالباً تكون غيرتها مؤذية، لأنها تنتج عن فورة مشاعر انفعالية.
قهر متراكم
«النساء الغيورات يعشن في قلق ووسواس، ويعانين ألماً نفسياً وقهراً متراكماً». هذا هو نوع النساء اللواتي يرتكبن الجرائم المرتبطة بالغيرة، من وجهة نظر محمد طاهر (موظف، متزوج منذ عامين ونصف العام). إلا أن محمد يقول: «إن في إمكان الزوج الحكيم التخفيف من هذه المشكلة، وتهدئة تلك المشاعر السلبية متى وجدها لدى زوجته، وذلك بتحمُّلها والصبر عليها والتعامل معها بشفافية». «حتى الزوجة المعتدلة في غيرتها، تحتاج إلى مثل هذه التطمينات» في اعتقاد محمد الذي يوضح قائلاً: «على سبيل المثال، ليست هناك حاجة إلى إخفاء الموبايل، أو تجاهل الرد عليه أمام الزوجة، أو الانزواء في ركن قَصي من البيت للقيام بذلك. كذلك، فإن التأنق الزائد والخروج من دون توضيح الوجهة التي يقصدها الزوج، هما من الأسباب الشائعة التي تقف وراء إشعال نار الغيرة في نفس الزوجة، والتي قد تُوقظ الكائن الشرير داخلها. فالنساء عموماً في حاجة إلى الشعور بالأمان، وهناك ضرورة لأن يؤكد الزوج لزوجته أنها الأولى والأخيرة في حياته بالقول والفعل». ويختم قائلاً: «من وجهة نظري فإن هذه التطمينات كافية لوقاية بنات حواء شر القتل والقتال.
أسباب
«غيرة المرأة تحرّكها أسباب قد يكون الرجل هو المحفّز لها أحياناً»، يقول حسين بدرالدين (مدير فني في إحدى المجلات الاجتماعية، متزوج منذ 9 أعوام ). يُكمل: «إنما بالقدر نفسه، نجد أن هناك نساء غيورات بطبعهنّ، وهذه النوعية من النساء تسجن الزوج في قفص كبير من الظنون والشكوك، بحيث لا تصبح أفعاله مُبَرّأة أبداً، إذ إنّ سوء النّية يتربّص بكل تصرفاته، مهما تكن طبيعية وبريئة».ويؤكد حسين: «أن الغيرة مرتبطة بشكل وثيق بتقدير الذات»، لافتاً إلى أنه «كلما ازدادت مشاعر الغيرة عند المرأة، شعرت بالنقص، وكلما فقدت قدرتها على تبَصُّر الواقع كذلك، فإنها تؤثر سلباً في حياتها وعلاقتها بزوجها، وقد تؤدي بها في النهاية إلى مآل النساء، اللواتي نقرأ أخبار جرائمهن في الصحف، واللواتي فقدن حياتهن وأسرهن بسبب الغيرة العمياء.
تراكمات
يُعرّف اختصاصي الطب النفسي الدكتور هيثم شبايك، غيرة المرأة على زوجها بأنها «جزء من تركيبتها النفسية والعاطفية، وإن كانت تختلف في نوعيتها ودرجتها وطريقة إداراتها من امرأة إلى أخرى». موضحاً أن «الغيرة تكون ذات أوجه إيجابية أحياناً، إذ تعمل على حماية علاقة الحب من التهديد الخارجي، بحيث تحفز المرأة إلى الاهتمام بزوجها وتدفعها إلى تحسين وتطوير علاقتها به.
«الشعور بالنقص، حب السيطرة، الأنانية، القلق بشأن هجران الزوج لها» هي «الملامح النفسية» للمرأة الغيور حسب الدكتور شبايك، الذي يتابع مبيناً أن «تلك المشاعر السلبية هي التي تؤدي إلى الغيرة المرضية، والتي يمكن أن تؤدي بدورها إلى محاولة إلحاق الأذى بالآخرين، كما حدث في الحالات المذكورة في التحقيق، وهو ما يشرحه قائلاً: «لا تبدو الغيرة خطيرة إلا إذا تجاوزت نطاق الاعتدال، ووقعت فيها المرأة أسيرة تصورات وأوهام متطرفة، تنبع من فقدان الثقة بالنفس أو من رغبة جامحة في التملك، وهو ما يجعل المرأة في حالة دائمة من مراقبة زوجها، بحيث تشعر بالخوف من أن يتخلى عنها، فتزداد رغبتها في السيطرة عليه ومتابعته». ويشير إلى أن «هذه الحالات المُبالغ فيها، تعود على المرأة بالضرر النفسي، وتزيد من قابليتها للإصابة بأمراض نفسية، مثل القلق والتوتر وغيرهما من المشاعر السلبية الأخرى، التي تقودها إلى عدم االتبصر في ما تقوم به، فتتهم زوجها مثلاً بالخيانة من دون دليل، وتمارس معه دور المحقق البوليسي، على أمل أن تجد ذلك الدليل الذي تبحث عنه، وقد لا يكون له وجود. وهناك من الغيرة المرضية التي تتطور حتى تصل إلى حالة من حالات الهستيري.
ويؤكد الدكتور شبايك، أنه «في ما يتعلق بالحوادث والجرائم التي ترتكبها المرأة بدافع الغيرة، فإن ذلك العدوان لا يكون وليد اللحظة، وإنما يكون نتيجة تراكمات عديدة، أوصلت المرأة إلى حد الانفجار، المتمثل في ارتكاب الجريمة». ويلفت إلى أن «هذه الحالات ترتبط بنوع من أنواع المرض النفسي، حيث تشعر الزوجة بأن الزوج مِلك لها، ولا يمكن لأخرى أن تنتزعه منها أو ينتزع هو نفسها منها». ويقول: «لذا، يتوجب على المرأة التي تلازمها أعراض الغيرة المرضية، طلب المساعدة النفسية عبر الاستشاريين أو الأطباء النفسانيين، حيث تقوم بالتعبير عن مخاوفها والتخفيف من مشاعرها بالفضفضة والحوار، لكي لا تصل بها الحال إلى الانفجار المؤدي إلى مثل هذه الحوادث.
قدرة على التحمل
من ناحيتها، تؤكد الاستشارية الأسرية والاجتماعية، الدكتورة غادة الشيخ، أن «غيرة المرأة من أكثر الأسباب التي تقودها إلى المشاكل الزوجية والاجتماعية». وفي سياق تعليقها على الجرائم التي ترتكبها المرأة، بدافع الغيرة وازدياد المشاكل الزوجية، التي تكون الغيرة عاملاً فيها مؤخراً، تقول الدكتورة الشيخ: «إنّ الحياة العصرية أثّرت في مقدرة النساء على التحمّل، فالأعباء الكثيرة الملقاة على كاهل المرأة داخل البيت وخارجه، أثّرت في درجة تحمّلها سلباً، بحيث أصبحت لا تستطيع أن تغفر للرجل تصرفاته الأنانية أو انصرافه عنها إلى أخرى، أو حتى إن وجدت أنظار زوجها تتجه إلى غيرها. لذا، تأتي ردود أفعالها حادة ومتطرفة، بخلاف نساء الزمن الماضي اللواتي كن يُدرن خلافاتهن ومثل هذه المشاكل بتروٍّ وحكمة». إضافة إلى ذلك ترى د.الشيخ أن «انتشار وسائل الإعلام والفضائيات، وما تعرضه من مناظر لنساء متبرجات، جعلا بعض الأزواج لا يستطيعون غض النظر، ولا التوقف عن إجراء المقارنات بين ما يشاهده الواحد منهم وما يجده عند زوجته، الأمر الذي يثير غيرتها وينال من ثقتها بنفسها، فتهاجمها تلك المشاعر السلبية، ويستحوذ عليها الإحساس بالنقص
وعلى الرغم من مطالبة الدكتورة الشيخ النساء «باتباع السياسة والحكمة في التعامل مع مشاعر الغيرة»، إلا أنها لا تعفي الرجل من «إسهامه في رفع درجة الغيرة عند المرأة إلى حد الغليان والنار»، قائلةً: «إنّ تصرفات الرجل المريبة، وتجاهله أسئلة زوجته المتكررة، وعدم مصارحته لها في كثير من الأحيان، تكون هي الدوافع إلى غيرة المرأة، وكذلك عدم منحها الفرصة للتحاور معه لتعبِّر عمّا في داخلها من هواجس.
وتقول: «على المرأة أن تكون هي التي تتحكم في مشاعر الغيرة، وليس العكس، حيث يتوجب عليها ألا تسمح لمشاعر الغيرة بأن تتحكم فيها، وأن تتأكد فعلاً من وجود مسببات حقيقية لهذه الغيرة بدلاً من جعل الخيال يتلاعب بها. وعليها أيضاً أن تحاول أن تقرب بينها وبين زوجها إذا وجدته مبتعداً، وأن تصارحه بشأن تصرفاته التي تسبب غيرتها، حتى يُراعي المواقف التي تشعل النار في قلبها، ليتداركها ويعطيها الإحساس بالأمان». تختم قائلة: «كذلك على المرأة أن تدافع عن مملكتها بطرق سلمية لا دمار فيها ولا حريق، وذلك باستدعاء كل الأمور الإيجابية التي تربطها بزوجها، التي كانت سبباً في تقاربهما هي وشريكها أيام الزواج الأولى.
لم يعد الحديث عن الغيرة، التي تشعل الحريق في قلوب بعض النساء، مقصوراً على الألم النفسي الذي تسببه، بل يمكن أن تتحول هذه المشاعر إلى نيران حقيقية، تحرق بها المرأة كل مَن حولها. إذ سَطَّر دفتر الواقع في الأيام الأخيرة كثيراً من الحوادث والجرائم، التي تسببت فيها النساء، وكانت الغيرة هي الدافع إلى هذه النيران الحقيقية، التي استخدمتها هؤلاء النسوة، ضد من كانوا طرفاً في موضوع الغيرة أو حتى ضد أنفسهن. وللتذكير فقط، إنه قبل سنتين تقريباً، وبدافع الغيرة، قامت سيدة كويتية بإشعال النيران في خيمة عرس زوجها السابق لإفساد فرحته بزواجه بأخرى. وقد تسبب هذا الحريق في وفاة 81 شخصاً ما بين امرأة وطفل حرقاً، فتحولت هذه الزوجة بين عشية وضحاها إلى مجرمة، لتصبح بعد ذلك أول مواطنة كويتية يتم إصدار حكم نهائي بإعدامها.
وسيارة أيضاً
ويبدو أن حادثة الكويت، فتحت الباب على مصراعيه أمام النساء الغيورات، حيث أشعلت سيدة سعودية، من نجران، النار في سيارة زوجها السابق عندما كان في بيته، وتبيَّـن أنها قطعت كيلومترات عديدة، إلى مكان الحادثة سيراً، وهي حاملة معها كمية من البنزين وفأساً. وقال شهود عيان في موقع الحادث، إنّ السيدة كانت تتوعّد بإحراق البيت أيضاًً، بينما أوضح الرجل أنه طلق السيدة وتزوج بأخرى.
ماء مُغلَى
وعلى طريقة أغنية وردة الجزائرية «جرّب نار الغيرة»، أقدمت زوجة سعودية شابَّة على حرق وجه زوجها الوسيم، عن طريق إلقاء الماء المُغلى عليه وهو نائم، بسبب غيرتها عليه. وكان قد نشبت بين الزوجين، اللذين لم يمضِ على زواجهما سوى 6 شهور، خلافات عديدة بسبب غيرة الزوجة من قيام زوجها بوضع صورته الشخصية على موقع «فيس بوك» وبعض المنتديات، وقام الزوج بعد ذلك برفع دعوى قضائية ضد زوجته، مطالباً بمحاكمتها على فعلتها، واسترداد المهر الذي دفعه لها.
هيفاء وهبي
ولم يَنْجُ زوج كويتي هو الآخر من نار غيرة زوجته، التي سكبت الماء الساخن على كامل جسده. وتعود تفاصيل الحادثة إلى أن الزوج كان من المولعين بمتابعة الفضائيات، وما تبثه من برامج وأغانٍ على وجه الخصوص، وكان دائماً يقارن بين زوجته والمطربات وفاتنات الفضائيات، اللواتي يظهرن على الشاشة في أحلى صورة وأجمل حُـلّـة، خاصة هيفاء وهبي، متهماً زوجته بعدم الاهتمام بمظهرها وجَمالها، الأمر الذي أشعل نار الغيرة في نفس الزوجة، فهُرعت إلى المطبخ برفقة ابنتها الكبرى، وقامت بتسخين الماء في عاء كبير وصبّته على جسد زوجها كاملاً أثناء متابعته الفضائيات. وعلى الفور، أُدخل الزوج العناية المركزة في حالة خطرة، واقتيدت الزوجة إلى سجن النساء.
أشعلتها في نفسها
وإذا كان الحب الشديد والغيرة التي ليست لها حدود، قد يقودان المرأة إلى استخدام النار في إحراق مَن حولها، إلا أنهما قد يدفعانها أيضاً إلى حرق نفسها شخصياً، حيث نقلت «وكالة أنباء الأناضول»، أن سيدة تركية قامت بحرق نفسها في اسطنبول بعد مُشادّة عنيفة مع زوجها بسبب الغيرة. وذكرت الوكالة أن تنزيلي أكتاس (30 عاماً)، التي كانت تشتبه في أن شريكها قادر بوير (37 عاماً) يخونها مع نساء أخريات، رشّت نفسها بالبنزين، وأضرمت النار في نفسها داخل سيارته وعلى مرأى منه. وكان الزوجان قد عقدا قرانهما قبل عشرة أعوام، وتوفيت الزوجة في المستشفى متأثرة بإصابتها، بينما أصيب زوجها بحروق في ذراعيه وساقيه أثناء محاولته إنقاذها.
هذه الحوادث وغيرها، التي كانت الغيرة المدمرة عاملاً رئيسياً فيها، تطرح أسئلة عديدة، منها: كيف، ولماذا تصل الغيرة بالمرأة إلى هذا الحد؟ ومتى تتحول الغيور إلى امرأة قابلة للاشتعال؟ في المقابل، ما وَقْع أخبار من هذا النوع على أبناء آدم على وجه الخصوص؟ وما هي ردود فعل الناس تجاه مثل هذه الحوادث؟ وأخيراً، هل الزوج بريء على طول الخط؟ أم لعلّه مسؤول عن إيقاظ بُركان شر كامن داخل زوجته؟ «زهرة الخليج» طرحت هذه الأسئلة على مجموعة من الرجال والنساء.
الرجل ثم الرجل
«وراء كل امرأة غيور ارتكبت جريمة.. رجل دفعها إلى ذلك». بهذه العبارة بدأت رقية بشير (موظفة) حديثها عن هذا الموضوع، وهي تُحمّل أبناء آدم جانباً كبيراً من المسؤولية في وصول المرأة إلى هذه المرحلة. تقول وعلى ملامحها نظرة جادة: «غيرة المرأة جزء من كينونتها كأنثى، فإذا تَعمَّد الرجل استفزاز هذا الجانب فيها بتصرفات تثير غيرتها، فإنه بذلك يدفعها إلى التصرف بجنون، لأنها تشعر بجرح في كبريائها وأنوثتها. وعادة ما يكون رد فعلها على قدر الاستفزاز، إذ إنّ كل الجرائم التي نقرأ عنها بسبب غيرة المرأة، نجد أن فيها استفزازاً شديداً، وضغطاً تم على المرأة حتى فعلت ما فعلت». على الرغم من التبريرات التي ساقتها لتوضيح الدوافع التي تقود المرأة الغيور إلى مثل هذه التصرفات، إلا أن رقية لا تجد العذر أبداً للنساء اللواتي تصل بهن الغيرة إلى درجة إيذاء الآخرين. وتقول: «لا شيء يستحق أن نهدم حياتنا من أجله، فمن تتأكد من خيانة زوجها لها، عليها إما مُصارحته ومعالجة الأسباب التي أدت به إلى ذلك، أو أن تنفصل عنه بالمعروف، لكن أن تصل الأمور إلى حد الحرق والقتل فلا.. وألف لا
صمام أمان
تعترف أحلام بوطريوش (ربة منزل، متزوجة منذ أكثر من عامين) بغيرتها على زوجها، حيث تقول: «لا توجد امرأة في الكون تحب زوجها ولا تغار عليه، إذ إنّ الغيرة أمر طبيعي وعادي». ت***: «الغيرة هي بمثابة شعور لا فطري مركّب في المرأة. ولكن، مع ذلك، فإن في إمكان المرأة التحصُّن من تداعياته بصمام أمان، يتمثل في السيطرة على الانفعالات». إلا أن أحلام تبرئ نفسها من تهمة الغيرة الشديدة، حيث تعترف بأن «الغيرة في حياتي مثل رشّة ملح، أي أنها تجدد العلاقة بيني وبين زوجي وتضفي عليها الحيوية، حيث إنني قادرة على السيطرة على انفعالاتي عندما تنتابني حالة الغيرة، كذلك أثق بزوجي بما فيه الكفاية، وثقتي هذه تجعلني دائماً مطمئنة
غيرة حمقاء
كذلك، تَنْأى سبأ محمد (ربة منزل، متزوجة منذ 4 أعوام) بنفسها عن «الغيرة الحمقاء» كما تسميها. تقول: «أنا لست من النوع الذي يظن أن أي امرأة هي مشروع صيد لزوجي. فهناك نساء ينظرن إلى الرجل على أنه صياد، مهمته فقط مطاردة النساء، أما أنا فواثقة بنفسي وبحب زوجي وإخلاصه لي». وتشير سبأ إلى أن «هناك نساء يعشن في قلق مستمر تتقاذفهن رياح الشك يميناً ويساراً بسبب الأخريات». ت***: «إذا تركت المرأة نفسها للهواجس، ربما تصل إلى مراحل خطيرة، قد تؤدي إلى نتائج أخطر، من ضمنها فقدان الزوج نفسه.
تأكيد مِلكية
بدورها، تدافع جُنينة المحواش (موظفة، عازبة) عن بنات جنسها في مسألة الغيرة ودوافعها ونتائجها، بحيث تساوي بين الرجل والمرأة في هذا الشعور بقولها: «إن الغيرة هي خليط من دوافع شتى، كما تختلف من شخص إلى آخَر حسب تربيته وثقافة مجتمعه والبيئة المحيطة به، لكن الدافع المتمكن فيها هو حُب التملك. والرجل والمرأة لديهما الدافع نفسه الذي يجعل كلاًّ منهما يعاني الغيرة». ت***: «ليس هذا فحسب، بل إن جرائم الرجل بسبب الغيرة تفوق جرائم النساء». وتجد جُنينة أن «الغيرة هي وسيلة يهدف من خلالها الغيور إلى تأكيد مِلكيته الطرف الآخَر بشتّى السبل، حتى إذا هُددت هذه الملكية حاول أن يزيل هذا التهديد. ومن هنا، فإن هذه المحاولة قد تنحرف وتسير على درب الجريمة من دون وعي منه.
دليل
«الغيرة هي إحدى الطرق التي تعتمدها النساء للحفاظ على البيت، وهي رائعة إذا سارت في الطريق الصحيح». هذا ما يوضحه أحمد فريد (موظف، خاطب منذ 6 شهور). ي***: «كرجل، يُسعدني أن تغار خطيبتي عليّ بشكل معتدل، فذلك يشعرني بأهميتي لديها. إلا أن المرأة، إذا لم تنجح في السيطرة على انفعالها، فقد ينتج عن ذلك سلوك غير سَوي، ربما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه». إلا أن أحمد لا يتفق مع الفكرة السائدة، أن الغيرة هي دليل على الحب، ويرى أنها «قد تكون دليلاً على أمور أخرى بعيدة تماماً عن الحب، خاصة لدى النساء المسيطرات». إذ يؤكد أن «هذا النوع من النساء، يخنق الرجل بغيرته»، لافتاً إلى أنه «قد تنقلب الصورة على المرأة غالباً، فالزوجة التي تُفرِط في غيرتها على زوجها قد تخسره إلى الأبد.
فورة مشاعر
«الغيرة المحمودة، التي يحبها الرجل في المرأة» كما يراها مصعب عثمان (موظف، عازب) «هي التي تنبع من الحب والحرص على الشريك». ولكن مصعب يشير إلى أن «الغيرة التي تنبع من التحكم والشك وسوء الظن، هي التي تقود إلى نتائج مدمرة». ي*** موضحاً: «إن المرأة في أغلب الأحيان تكون مدفوعة بمشاعرها وعواطفها، وهذا أمر فطري فيها، فهي تقع في الحب سريعاً، تماماً كما تكره سريعاً، وغالباً تكون غيرتها مؤذية، لأنها تنتج عن فورة مشاعر انفعالية.
قهر متراكم
«النساء الغيورات يعشن في قلق ووسواس، ويعانين ألماً نفسياً وقهراً متراكماً». هذا هو نوع النساء اللواتي يرتكبن الجرائم المرتبطة بالغيرة، من وجهة نظر محمد طاهر (موظف، متزوج منذ عامين ونصف العام). إلا أن محمد يقول: «إن في إمكان الزوج الحكيم التخفيف من هذه المشكلة، وتهدئة تلك المشاعر السلبية متى وجدها لدى زوجته، وذلك بتحمُّلها والصبر عليها والتعامل معها بشفافية». «حتى الزوجة المعتدلة في غيرتها، تحتاج إلى مثل هذه التطمينات» في اعتقاد محمد الذي يوضح قائلاً: «على سبيل المثال، ليست هناك حاجة إلى إخفاء الموبايل، أو تجاهل الرد عليه أمام الزوجة، أو الانزواء في ركن قَصي من البيت للقيام بذلك. كذلك، فإن التأنق الزائد والخروج من دون توضيح الوجهة التي يقصدها الزوج، هما من الأسباب الشائعة التي تقف وراء إشعال نار الغيرة في نفس الزوجة، والتي قد تُوقظ الكائن الشرير داخلها. فالنساء عموماً في حاجة إلى الشعور بالأمان، وهناك ضرورة لأن يؤكد الزوج لزوجته أنها الأولى والأخيرة في حياته بالقول والفعل». ويختم قائلاً: «من وجهة نظري فإن هذه التطمينات كافية لوقاية بنات حواء شر القتل والقتال.
أسباب
«غيرة المرأة تحرّكها أسباب قد يكون الرجل هو المحفّز لها أحياناً»، يقول حسين بدرالدين (مدير فني في إحدى المجلات الاجتماعية، متزوج منذ 9 أعوام ). يُكمل: «إنما بالقدر نفسه، نجد أن هناك نساء غيورات بطبعهنّ، وهذه النوعية من النساء تسجن الزوج في قفص كبير من الظنون والشكوك، بحيث لا تصبح أفعاله مُبَرّأة أبداً، إذ إنّ سوء النّية يتربّص بكل تصرفاته، مهما تكن طبيعية وبريئة».ويؤكد حسين: «أن الغيرة مرتبطة بشكل وثيق بتقدير الذات»، لافتاً إلى أنه «كلما ازدادت مشاعر الغيرة عند المرأة، شعرت بالنقص، وكلما فقدت قدرتها على تبَصُّر الواقع كذلك، فإنها تؤثر سلباً في حياتها وعلاقتها بزوجها، وقد تؤدي بها في النهاية إلى مآل النساء، اللواتي نقرأ أخبار جرائمهن في الصحف، واللواتي فقدن حياتهن وأسرهن بسبب الغيرة العمياء.
تراكمات
يُعرّف اختصاصي الطب النفسي الدكتور هيثم شبايك، غيرة المرأة على زوجها بأنها «جزء من تركيبتها النفسية والعاطفية، وإن كانت تختلف في نوعيتها ودرجتها وطريقة إداراتها من امرأة إلى أخرى». موضحاً أن «الغيرة تكون ذات أوجه إيجابية أحياناً، إذ تعمل على حماية علاقة الحب من التهديد الخارجي، بحيث تحفز المرأة إلى الاهتمام بزوجها وتدفعها إلى تحسين وتطوير علاقتها به.
«الشعور بالنقص، حب السيطرة، الأنانية، القلق بشأن هجران الزوج لها» هي «الملامح النفسية» للمرأة الغيور حسب الدكتور شبايك، الذي يتابع مبيناً أن «تلك المشاعر السلبية هي التي تؤدي إلى الغيرة المرضية، والتي يمكن أن تؤدي بدورها إلى محاولة إلحاق الأذى بالآخرين، كما حدث في الحالات المذكورة في التحقيق، وهو ما يشرحه قائلاً: «لا تبدو الغيرة خطيرة إلا إذا تجاوزت نطاق الاعتدال، ووقعت فيها المرأة أسيرة تصورات وأوهام متطرفة، تنبع من فقدان الثقة بالنفس أو من رغبة جامحة في التملك، وهو ما يجعل المرأة في حالة دائمة من مراقبة زوجها، بحيث تشعر بالخوف من أن يتخلى عنها، فتزداد رغبتها في السيطرة عليه ومتابعته». ويشير إلى أن «هذه الحالات المُبالغ فيها، تعود على المرأة بالضرر النفسي، وتزيد من قابليتها للإصابة بأمراض نفسية، مثل القلق والتوتر وغيرهما من المشاعر السلبية الأخرى، التي تقودها إلى عدم االتبصر في ما تقوم به، فتتهم زوجها مثلاً بالخيانة من دون دليل، وتمارس معه دور المحقق البوليسي، على أمل أن تجد ذلك الدليل الذي تبحث عنه، وقد لا يكون له وجود. وهناك من الغيرة المرضية التي تتطور حتى تصل إلى حالة من حالات الهستيري.
ويؤكد الدكتور شبايك، أنه «في ما يتعلق بالحوادث والجرائم التي ترتكبها المرأة بدافع الغيرة، فإن ذلك العدوان لا يكون وليد اللحظة، وإنما يكون نتيجة تراكمات عديدة، أوصلت المرأة إلى حد الانفجار، المتمثل في ارتكاب الجريمة». ويلفت إلى أن «هذه الحالات ترتبط بنوع من أنواع المرض النفسي، حيث تشعر الزوجة بأن الزوج مِلك لها، ولا يمكن لأخرى أن تنتزعه منها أو ينتزع هو نفسها منها». ويقول: «لذا، يتوجب على المرأة التي تلازمها أعراض الغيرة المرضية، طلب المساعدة النفسية عبر الاستشاريين أو الأطباء النفسانيين، حيث تقوم بالتعبير عن مخاوفها والتخفيف من مشاعرها بالفضفضة والحوار، لكي لا تصل بها الحال إلى الانفجار المؤدي إلى مثل هذه الحوادث.
قدرة على التحمل
من ناحيتها، تؤكد الاستشارية الأسرية والاجتماعية، الدكتورة غادة الشيخ، أن «غيرة المرأة من أكثر الأسباب التي تقودها إلى المشاكل الزوجية والاجتماعية». وفي سياق تعليقها على الجرائم التي ترتكبها المرأة، بدافع الغيرة وازدياد المشاكل الزوجية، التي تكون الغيرة عاملاً فيها مؤخراً، تقول الدكتورة الشيخ: «إنّ الحياة العصرية أثّرت في مقدرة النساء على التحمّل، فالأعباء الكثيرة الملقاة على كاهل المرأة داخل البيت وخارجه، أثّرت في درجة تحمّلها سلباً، بحيث أصبحت لا تستطيع أن تغفر للرجل تصرفاته الأنانية أو انصرافه عنها إلى أخرى، أو حتى إن وجدت أنظار زوجها تتجه إلى غيرها. لذا، تأتي ردود أفعالها حادة ومتطرفة، بخلاف نساء الزمن الماضي اللواتي كن يُدرن خلافاتهن ومثل هذه المشاكل بتروٍّ وحكمة». إضافة إلى ذلك ترى د.الشيخ أن «انتشار وسائل الإعلام والفضائيات، وما تعرضه من مناظر لنساء متبرجات، جعلا بعض الأزواج لا يستطيعون غض النظر، ولا التوقف عن إجراء المقارنات بين ما يشاهده الواحد منهم وما يجده عند زوجته، الأمر الذي يثير غيرتها وينال من ثقتها بنفسها، فتهاجمها تلك المشاعر السلبية، ويستحوذ عليها الإحساس بالنقص
وعلى الرغم من مطالبة الدكتورة الشيخ النساء «باتباع السياسة والحكمة في التعامل مع مشاعر الغيرة»، إلا أنها لا تعفي الرجل من «إسهامه في رفع درجة الغيرة عند المرأة إلى حد الغليان والنار»، قائلةً: «إنّ تصرفات الرجل المريبة، وتجاهله أسئلة زوجته المتكررة، وعدم مصارحته لها في كثير من الأحيان، تكون هي الدوافع إلى غيرة المرأة، وكذلك عدم منحها الفرصة للتحاور معه لتعبِّر عمّا في داخلها من هواجس.
وتقول: «على المرأة أن تكون هي التي تتحكم في مشاعر الغيرة، وليس العكس، حيث يتوجب عليها ألا تسمح لمشاعر الغيرة بأن تتحكم فيها، وأن تتأكد فعلاً من وجود مسببات حقيقية لهذه الغيرة بدلاً من جعل الخيال يتلاعب بها. وعليها أيضاً أن تحاول أن تقرب بينها وبين زوجها إذا وجدته مبتعداً، وأن تصارحه بشأن تصرفاته التي تسبب غيرتها، حتى يُراعي المواقف التي تشعل النار في قلبها، ليتداركها ويعطيها الإحساس بالأمان». تختم قائلة: «كذلك على المرأة أن تدافع عن مملكتها بطرق سلمية لا دمار فيها ولا حريق، وذلك باستدعاء كل الأمور الإيجابية التي تربطها بزوجها، التي كانت سبباً في تقاربهما هي وشريكها أيام الزواج الأولى.