ان الجسد عبارة عن مطية تمتطيها النفس و الروح غير ان (( الروح جسم يضعف و يقوى و يصلح و يفسد و هو واسطة بين البدن و النفس )).
و لكل من الروح و النفس دور و تفاعل مع الجسد (( و كما ان الإنسان ذو طبيعة لأثارها الظاهرة في بدنه كذلك هو ذو نفس لأثارها الظاهرة في آرائه و أبحاثه و مطالبه و مأربه )) فأن النفس هي الأمارة بكل إحساس و شعور , و هي متسلطة على الجسد و حركاته ليقوم بدوره الفسيولوجي .
و على سبيل المثال هناك ظاهرة القدرة على التكلم و هي مركزها النفس و يعتبر اللسان العضلة المختصة بتنفيذ المقتضيات التي تمليها عليه النفس , كما ان عضلات اللسان المأمورة هي المستهدفة بتنفيذ الأوامر العليا الصادرة من النفس , و يمكن للنفس باستخدامها لملكاتها ان تتكلم و ان تكون ابلغ آثرا مما يمكن للسان القيام به , و نستنتج دلك من قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه و حديثه إلى سارية فقد تكلمت نفس عمر و سمعتها نفس سارية بدون الاحتياج إلىواسطة اللسان و واسطة الآذن , و معنى ذلك ان الجسد هو واسطة يمكن للنفس ان تستغني عنه بحسب الأحوال.
و قد أقيمت تجربة بمعهد بافلوف تتضمن سلماً معدنياً يمكن ان توصل أليه شحنة كهربائية تؤثر بشكل حاد في الإنسان و لكنه لا تضر به , و مع إطلاق الشحنة الكهربائية تطلق إشارة صوتية ذات تردد مرتفع لا تسمعها الآذن البشرية , و قد كررت التجربة مع شخص الواحد اكثر من مرة ثم بعد ذلك تم أجراء تعديل بان تطلق الإشارات الصوتية الغير مسموعة بالقدرة العادية للآذن البشرية (( و الغريب انه عند إطلاق هذه الإشارات فقط كان المتطوع لأجراء التجربة يبعد يده و كأنه شعر بالــصدمة الكــهربائية ))3 الأمر الذي يعني القدرة على الاستماع إلى هذه الإشارات بدون استخدام الأذن و قدرتها المعروفة بل يمكن للنفس ان تستبدل أعضاء الجسد حسب الحاجة و ان تمارس فعلها بدون وساطة هذه الأعضاء او تكيف الأعضاء حسب حاجتها , فنجد ان النفس تقوم بأداء فعاليتها بدون الأعضاء (( فتحرك النفس بها دائماً لما ركب فيها من النزوع للتخلص من درك القوة و الاستعداد الذي للبشرية و تخرج إلي الفعل في تعقلها .......... و تصير في أول مراتب الروحانيات في إدراكها بغير الآلات الجسمانية )) كأن تتم الرؤية بدون العينين او ان يتم السمع بدون الآذن او الحديث بدون اللسان .
و قد نجح الدكتور كوما نييز في العودة بامرأة تبلغ الثالثة و الستين إلي استخدام قدرات أعضائها عندما كانت في سن الثامنة و ذلك باستخدام التنويم المغناطيسي (( و الذي يطال الجسد فقط )) حيث استطاعت هذه العجوز (( ان تتذكر وقائع تفصيلية ليوم مضى عليه اكثر من نصف قرن و أصبحت قـــــادرة على القراءة و الكتابة بـــدون نظارات )) , و مما يؤكد ذلك أيضا حالة (( هيلين كيلر )) و التي حرمها الله من نعمة الرؤية بالعينين غير ان دور النفس في عملية الأبصار جاء ليغير مفاهيمنا عن عملية الأبصار .
فقد استطاعت هيلين كيلر التي أصيبت في صغرها بحمى جرثومية خبيثة تركتها في حالة هذيان عصبي و اضطراب شديدين و أكد الأطباء انه لا شفاء من هذه الحمى و لكن الصغيرة قاومت المرض و الموت غير أنها تحولت إلى عمياء و صماء و بكماء .
و قد استطاعت اختراق الحجب الملتفة حولها لتنمي قدراتها على الأبصار بدون وساطة العينين , و بسؤال هيلين كيلر هن كيفية ه الرؤية أجابت بان(( تمييزها للألوان نتيجة لشعورها بان لكل لوان درجة حرارة مختلفة عن الأخر )) كما ان النفس يمكن لها بقدراتها هذه ان تنتقل إلى الأنفس الأخرى و تخاطبها بلغتها او ان تنتقل إلى الكائنات الطبيعية الحية او الجامدة إذ تمتلك (( استعداداً للانسلاخ من البشرية إلى الملكية وقتاً من الأوقات في لمحة من اللمحات )) و ان تمارس تأثيرها على النبات و الحيوان بل يمكـــن القــــول (( ان الطبيعة هي أيضا قوة نفسية )) و سوف تستعرض الأمثلة الدالة
الحلقة الأولي
الخروج النفسي
هناك اختلاف بين الخروج النفسي و الانشقاق النفسي الذي سبق شرحه
* و على الثلاثة الذين خلفوا حتى ضاقت عليهم الارض بما رحبت و ضاقت عليهم انفسهم و ظنوا ان لا ملجاء من الله الا اليه ثم تاب عليهم ليتوبوا ان الله هو التواب الرحيم * و الايه تحدد ان الأنفس ضاقت حتى انسحبت من الهول , و الحقائق تؤكد خروج النفس عند تعرض الجسد للهول او الغضب الشديد او الخوف الشديد او أي شعور أخر يفوق المعتاد في قوته و شدته , لذلك نرى ان الضرب المبرح تعقبه حالة اللاشعور به و نرى في المصارعات العنيفة ان الجسد لا يشعر بالضرب العنيف او الجروح او الكدمات الناتجة لأن النفس متعلقة بالجوائز الثمينة , و بما ان مركز الإحساس هو النفس فان انسحابها حال دون الإحساس و(( قد قال مقاتل بن سليمان : للإنسان حياة و روح و نفس , فإذا نام خرجت نفسه التي يعقل بها الأشياء و لم تفارق الجسد , بل تخرج كحبل ممتد له شعاع فيرى الرؤيا بالنفس التي خرجت منه و تبقى الحياه و الروح في الجسد فيه يتقلب و يتنفس , فإذا حرك رجعت أليه أسرع من طرفة عين)) , و تخرج النفس تحت وطئة ثلاثة حالات :-
أولا / الخروج بالوجد
و تحدث تلك الحالة للمتصوفين عندما تنتظم حلقتهم للأذكار مع تصاعد الضربات الإيقاعية من البندير (( الرق )) و استمرار الاهتزاز الجسدي المتواصل و المنتظم فان الجسد يصاب بالإنهاك و التعب مضافاً أليه حالة الطرب فيهيمون حسب وصفهم في حالة سكر رباني لذلك يقولون (( شربوا المدام فوصلوا .......... )) غير ان الحقيقة هي ان النفس اتخذت طريقاً غير طريق الجسد فاصبح بالتالي لا يتأثر بالطعنات و الحرق نتيجة لخروج مركز الإحساس من الجسد , فللإيقاع و للموسيقى تأثير كبير على النفس لأنها بطبيعتها مهتزة و ميالة إلى الحركة و قد فطن السابقين إلى هذه الحقيقة و إلى تأثير لموسيقى على النفس فأكدوا (( ان من الأصوات ما إذا سمعه الإنسان انحلت نفسه فيموت و منها ما كان يشجع للقاء الأعداء و الحروب و منها ما كان يسر و يطرب و يقوي النفس )) .
ثانياً الخروج بالسحر
تؤدى الأعمال الشيطانية للسحرة في بعض الأحيان إلى خروج النفس عن الجسد بان تشغل بشيء ما خارج الجسد فنجد بعضهم لا يتأثر بالرصاص او بالطعن لمعرفتهم بأسلوب خروج النفس و كيفية ذلك .
ثالثاً الخروج بطرق علمية
خلال القرن التاسع عشر إفرنجي اصبح التنويم المغناطيسي حقلاً للأبحاث الطبية لدرجة انه أنشئت في فرنسا مدرستان للعناية و الاهتمام بطرق التنويم المغناطيسي , و منذ تلك الفترة حتى ألان , تناول الآلاف من العلماء التنويم المغناطيسي بالشرح و التفسير و التعليم , و بغض النظر عن عدم يقين الكثيرين في عمليات التنويم المغناطيسي ألا انه سجلت حالات واقعية و فعلية و صادقة و مثبتة علمياً بالتجربة و البرهان , وسط إجراءات اختباريه صارمة , و كانت لهذه التجارب درجة من الغرابة التي تكاد توحي بعدم التصديق للمواقف التي تحدث أثناء التنويم المغناطيسي , و منها قدرة المنوم على تحريك القدرات الهائلة النفسانية بداخل النائم , و تظهر على شكل قدرات استشفافية و استشعارية في دقة عالية .
و نحن نقول ان المنوم في الحقيقة قد أطلق نفس النائم من إسار الجسد و الالاته التي اعتادت استعمالها , لتكون طاقة متحركة متفاعلة , مع ما يحيط بها من أجواء , و نقول ان نذلك شكل من أشكال الخروج النفسي
الحلقة الثانية
الانسحاب و التمدد النفسي
و يعني بذلك غياب الشق النفسي عن جزء من المركب الجسدي نتيجة لأمر ما و يلاحظ عند حدوث ذلك غياب الحس عن الجزء الذي تعرض للانسحاب النفسي من الجسم , و المثال على ذلك انه عند تعرض أحدهم للضرب على الأطراف حيث تكون الالام شديدة , فان استمرار الألم يؤدي إلى مرحلة من التخدر و هي نتيجة انسحاب المركب النفسي من الإنسان عن ذلك الجزء الجسدي المتعرض للألم .
و هذا الانسحاب قد يحدث نتيجة للحاجة إلى ذلك بغريزة الهرب , و عكسه تماماً هو حالة التمدد النفسي و التي تحدث أيضا نتيجة لحاجة و تعويضية , إذ أننا نجد الذين تعرضوا لبتر أحد الأطراف يستمر شعورهم بوجود تلك الأطراف , بل و ربما يشعر أحدهم بالرغبة الشديدة في حك هذا الطرف المبتور أصلا
و بين هذا و ذاك نجد ان هناك ظاهرة أخرى هي التكثيف النفسي و هي نتيجة لتركيز الإنسان على منطقة معينة من جسده , و ذلك يحدث عند انتظاره لوخز إبرة
مثلاً و في تلك الحالة يرتفع معدل إحساسه بالألم الذي كان متوقعاً , بخلاف نفس الفعل عندما يكون مفاجئاً حيث ينخفض معدل الإحساس بالألم
و هذه القضايا تحتاج إلى الفحص الأكثر دقة , نهيك عن ضرورة القيام بتجارب عملية و معملية , لتفقد شروط الفرضيات الخاصة بهذه الخصائص النفسانية .