تعتبر قضايا الحب والزواج وما يرتبط بها من مشاكل من أهم أغراض الممارسة السحرية, فحسب المعتقد السحري، يعتبر الحب الشديد أو الكراهية بين الرجل والمرأة من أعمال السحر التي لا يعالجها إلا السحر نفسه، ولذلك يقدم السحر حلولا في شكل وصفات، لكل من الفتاة أو المرأة التي تبحث عن الايقاع برجل في هواها، والرجل الذي يريد الإيقاع بامرأة في غرامه، أو الذي يرغب في الخلاص من هوى يؤرقه ويشقيه، وما إلى ذلك من الأغراض.
ونكرر مرة أخرى تحذيرنا للقارئ من مغبة تطبيق أي من الوصفات التي نقدمها هنا:
سحر التفريق
يندرج سحر التفريق ضمن وصفات السحر الاسود التي تتداول مهموسة من فم لأذن، أو في عيادات السحرة، كغيرها من وصفات الشر التي تروم إلحاق الأذى بالغير, وتلجأ اليها في الغالب نساء «أو حتى رجال» ينوون تفريق شريكين في علاقة زواج أو حب أو أعمال، بهدف الاستفراد باحدهما.
ومن الوصفات التي تستعمل لهذا الغرض، نذكر: يؤخذ التراب من تحت القدم اليمنى للزوج» في الحالة التي يتعلق فيها الأمر بزوجين، وتتلى عليه أسماء زعماء الجان الأربعة سبعمئة مرة، مع تلاوة الآية الكريمة «يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الألباب».
وإذا كان القصد الشرير هو تبغيض الرجل للمرأة، فإن الأمر ليس أسهل في زعم السحرة من أخذ شعر المرأة وتبخير إناء ماء لم يسبق أن استعمل للشرب به، ثم يملأ بالماء ويسقى منه الرجل -بعد ذلك- وهو لا يعلم من العملية شيئا؛ فإنه سيبغض تلك المرأة إلى درجة أنه لن يطيق النظر اليها بعد ذلك!
قد يكون التفريق عملا ظالما -في نظر المجتمع- حين يكون بين رجل وزوجته، ولكنه يصبح مشروع من وجهة نظر أخلاقية، حين يستهدف قطع علاقة زنا بين عشيقين، وقد يكون خلق الغيرة بينهما بداية لزرع بذور الشقاق, ولأجل ذلك يكفي أن تسقى المرأة مرارة ذئب بالعسل، وهي لا تعلم ماهيتها ولا الغرض منها، فإنها تشتعل غيرة!
سحر المحبة
في زعم السحرة أنه من أجل كسب حب امرأة يؤخذ من شعرها، ويوضع في تميمة، أي في ورقة مكتوب عليها تعزيم، ثم تعلق في غصن شجرة, وكلما داعبت الريح تلك التمــيمة، إلا وخفــق معـها قلب المطـلوبة بهــوى عاشــقها!
ومن الوصفات الاخرى المتداولة لأجل إعادة الدفء إلى علاقة امرأة بزوجها أو عشيقها: أن تفرغ المرأة العسل على رأسها بحيث يتدلى خيطا رقيقا نازلا من الجبهة إلى الذقن، وتتلقفه عند الذقن لتجمعه في ملعقة بعد ذلك، وتحك طرف لسانها بورقة من شجرة التين إلى أن يسيل منه الدم، وتأخذ منه بعد ذلك، بضع قطرات تغمس فيها سبع حبات من الملح، ثم تخلط كل ذلك بالعسل ويضيف اليها قليلا من التراب المأخوذ من اثر ثلاث خطوات خطاها الرجل المطلوب، برجله اليمنى، وتمزج كل تلك العناصر وتقدمها له في الأكل من دون أن يعلم شيئا، بالطبع، فإنه سيهيم بها حبا.
ومن الوصفات التي تنصح لكل من يخطب ود فتاة أو امرأة لا تبادله المشاعر نفسها، أن يحصل على شعرة من رأسها ويضعها في تمرة بعد أن يفرغها من نواتها, ويدفنها في مكان لا تطأه الأقدام، فإن المرأة «أو الرجل» ستشعل رغبة في لقائه!
ولإشعال نار المحبة في قلب امرأة «المرأة المسكينة دائما» بأخذ طالبها أظفار هدهد وأظفاره ويحرقها جميعا ويسقيها من رمادها مخلوطا بسائل، فإنها لن تطيق عليه صبرا, وكذلك الأمر اذا غسل الرجل قدميه وسقى امرأته من ذلك الماء, فإنها تحبه حبا شديدا!! ويأخذ الرجل منيه ويلطخ به قطعة سكر ويطعمها للمرأة, من دون أن تعلم من ذلك شيئا فإنها تحبه حبا شديدا!
والواضح مما سلف أن المعتقدات السحرية في المغرب تعكس بأمانة النظرة الدونية التي تحظى بها المرأة في المجتمع، فهي دوما الطريدة التي تلاحقها سهام هوى الرجال وليس العكس, وإذا ما أرادت المرأة أن تثبت حب الزوج أو العشيق، فإن عليها- حسب المعتقد العامي- أن تحمل تميمة تتضمن شفة أنثى الضربان, فطالما حملتها معها فإن المطلوب سيظل مرتبطا بها!
(لاسترجاع الزوج أو العشيق
المغرب ودنات على «فلان ولد فلانة»
بالوحش والغمة
من وحشي بكى
من وحشي شكى
من وحشي طرطق السلاسل وجا)
إن هذا السجع الذي يسمى في مصنفات السحر «دعوة الشمس»، هو طقس سحري تقوم به المرأة التي غاب عنها الزوج أو الحبيب بسبب الهجر، أو لدواعي السفر، وتفصيله كما يلي: في وقت المغيب، توقد المرأة النار في مجمر وترمي فيها بعض البخور وتقف مواجهة لمطلع الشمس تلوح بمنديل استعمله سابقا أثناء الجماع «الشرويطة» وهي تتلو دعوة الشمس.
وتبدو قوة هذا الطقس متجلية في القوة السحرية للكلمات المنظومة في شكل سجع يعتقد أنه سينقل للشمس التي تغيب أمنية المرأة في أن يكسر زوجها القيود المعنوية والحقيقية التي تمنعه من وصالها، كي يلبي نداء شوقه إليها!
والحقيقة أن الكثير من طقوس دعوة «الزوج» الغائب تتضمن سجعا يُتلى بشكل طقوسي، ويكـون الكـلام الدعوة موجها إما لقوى الطبيعة التي لها قدرة على التأثير المباشر أو غير المباشر على الحبيب الغائب، أو إلى قوى فوق طبيعية كالجان، أو إلى المواد المستعملة خلال الطقس السحري (البخور، مثلا).
ونقدم فيما يلي بعض النماذج:
تأخذ المرأة البخور التي من ضمنها الشيح وترميها في مجمر ناره موقد وهي تردد:
(الشيخ يا الشيخ
الناس تقول ليك الشيخ
وأنا نقول للطالب المليح
اطلع للسما وصيح
جيب «فلان» عند فلانة بنت فلانة).
وتضع بعد ذلك مزيدا من البخور في المجمر وعلى ضوء نار شمعة تنادي الجن:
(دخلت عليكم يا موالين المكان
هاكوا التفاح باش تسكنوا أولادكم
وزيدوا لي في النار
باش يجي «فلان» عند «فلانة» بنت فلانة.
تستعمل الزوجة لاسترجاع زوجها أيضا، البخور السبعة المعروفة في نار المجمر وهي تقول:
(صيفطت لك ميات جنية وجنية
ثلاثة يهود
وثلاثة نصارى
وثلاثة من حانوت الجزارة
يكفتوك بالحبال المثنية ويجيبوك لبين يدي.
تحرق المرأة البخور السبعة دائما، عند طلوع الشمس وتردد:
(سلامي عليك يا شمس
الناس يقولوا ليك الشمس
وأنا نقول ليك لا لا زيرارة
يا اللي قاسمة السما بحرارة
ما تقسمي الفكوسة والخيارة
حتى تقسمي قلب «فلان» ولد «فلانة»
ماشي بقولي، بقول الرسول
سيدي محمد المذكور
وبجاه مكونة بنت لمكون
بنت لحمر سلطان الجنون
كل ما قالوا لساني يسجي ويكون!)
تأخذ المرأة مجموعة من المواد وترميها تباعا وهي تردد:
(بخرت بالحرمل باش يجي كيتحرمل
بخرت بالزعتر باش يجي كيتعثر
بخرت بفليو باش يجي كفيو)
(العر عار يا لعر عار
يا اللي ما كيخلي عار
الناس يقولو العر عار
وأنا نقول بالهدهد اللي يحمي ما كتبو الطلبة
جيب ليا «فلان» ولد فلانة).
كيف نفهم غاية العملية السحرية في هذه الوصفات التي تعتمد على السجع، لدعوة الحبيب الغائب؟
- إن الكلام الموزون قيمة سحرية كامنة في ايقاعته التي تناسب طبيعة الطقوس السحرية، ولذلك نجده حاضرا بكثرة في طقوس السحر لدى العديد من الشعوب المتفرقة عبر العالم, وكما يشير إلى ذلك إدموند دوتية، في مؤلفه الموسوعي حول الدين والسحر في افريقيا الشمالية، فإن الشعوب العربية القديمة كانت تمنح للكلام الموزون قدرات تأثيرية تتجاوز التأثير على الكائن البشري إلى ما سواه من عناصر وقوى الطبــيعة الأخرى، حتى أصبح الشاعر ينعت بأنه ساحر والشعر بأنه سحر.
ومنه نستنتج أن الطقوس الشفوية لدعوة الحبيب تعتمد بالأساس على القوة الحرية للكلمات، أكثر من اعتمادها على العناصر الأخرى «البخور، طلوع أو غروب الشمس، إلخ» التي تعتبر عناصر سحرية مساعدة أو مكملة، فقط.