الاستعاذة «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الاستعاذة نوع من أنواع العبادة، التي أمر الله بها عباده.قال تعالى (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) [فصلت- 36].
وهي نوع من أنواع الذكر لله الذي يلجأ به العبد إلى ربه لكي يحفظه ويحميه من وسوسة الشيطان، قال تعالى (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون) [المؤمنون: 97-98].
تعريف الاستعاذة:
«أعوذ بالله»: ألجأ واعتصم بالله وأستجير به،
قال ابن كثير: «الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل شر والعياذ يكون لدفع الشر».
أعوذ أي استعين وإذا قال القائل أعوذ بالله يكون إخبارا عن فعله بالتعوذ، وفي الحقيقة هو سؤال الله سبحانه معناه: أعذني يا رب، مثل استغفر الله أي اغفر لي يا رب.
«من الشيطان» الشيطان في اللغة من شطن أي: بعد وإبليس بعد عن رحمة الله وطاعته، وهو الشيطان الذي أمر الله بالاستعاذة منه في قوله تعالى (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) [النحل- 98].
ورأس الإفساد وإغواء البشرية إبليس اللعين، وهو يسعى لإيجاد العداوة بينهم، قال تعالى (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) [المائدة- 91].
تأمل قوله تعالى (ويصدكم عن ذكر الله)، إن الذكر لله يوهن قوى الشيطان فيخنس ويهرب من الذاكر لربه، فأكثًرْ من ذكر الله حتى يبتعد عنك هذا المفسد الذي يجلب القتل والدمار، فكم من مشكلة صغيرة أخذ يكبرها في نفس صاحبها حتى تؤدي به إلى المهالك والعياذ بالله.
«الشيطان سبب ما حصل بين يوسف- عليه السلام- وإخوته»
أخبرنا الله تعالى أن يوسف- عليه السلام- أرجع الفضل لله في خروجه من السجن وأن ما حصل من إيذاء إخوته له بسبب نزغ الشيطان، قال تعالى (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم) [يوسف- 100].
وقد تاب إخوة يوسف قال تعالى (قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين) [يوسف- 97].
«الرجيم» المرجوم بلعنة الله وطرده وإبعاده عن رحمته وهو راجم غيره بالمعاصي.
النزغ: الوسوسة،
الهمز: الدفع بشدة والشيطان يدفع إلى المعاصي.
كيد الشيطان ضعيف
ذكر الله يبعد الشيطان وسرعان ما ينهزم أمام الاستعاذة الصادقة الصادرة من مؤمن متوكل على الله فكيده ضعيف، قال تعالى (إن كيد الشيطان كان ضعيفا)، وأخبر تعالى أنه ليس له تسلط على أوليائه، قال تعالى (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) [النحل- 99].
قال الشوكاني- رحمه الله-:
الضمير في «إنه» للشيطان أي ليس له تسلط على المؤمنين الذين على ربهم يتوكلون، فإن الإيمان بالله والتوكل عليه، يمنعان الشيطان من وسوسته لهم، وإن وسوس لأحد منهم فإنها لا تؤثر فيه وسوسته.
ووجود إبليس وقدراته فيها حكمة من الله عز وجل ففيها امتحان في هذه الدنيا، قال تعالى (وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) [سبأ- 21]، ثم الشيطان يتبرأ من أتباعه يوم القيامة وأنه لم يتسلط عليهم، فقط دعاهم إلى الكفر والمعاصي فأجابوه، قال تعالى (فما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي).
ومن يبتعد عن ذكر الله يكن الشيطان قرينه، قال تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين)، وقال تعالى (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله).
شياطين الجن والإنس
كلمة شيطان تطلق على إبليس ومن هم على شاكلته من الجن والإنس، قال تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن) [الأنعام- 112].
فمن ابتعد عن طاعة الله وأصبح سببا لإضلال الناس فهو شيطان، قال سيبويه العرب تقول تشيطن فلان إذا فَعَلَ فعْل الشيطان ولهذا يسمى شيطانا كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان، وبعض الناس يجعل من الشيطان شماعة يعلق عليها كل أخطائه وفي الحقيقة هو شيطان أيضا.
قال ابن القيم في زاد المعاد:
ولما كان الشيطان على نوعين نوع يرى عيانا وهو شيطان الإنس ونوع لا يرى وهو شيطان الجن أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكتفي من شر شيطان الإنس بالإعراض عنه والعفو، ومن شيطان الجن بالاستعاذة منه وجمع بين النوعين في سورة الأعراف قال تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزعنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم).
وأمره بدفع عدوه من شياطين الإنس بالتي هي أحسن فيقابل إساءة من أساء إليه بالإحسان وجهله بالحلم وظلمه بالعفو وقطيعته بالصلة، ويقابل جهل الجاهلين بالإعراض وأن يأمر بالمعروف وهو الذي تعرفه العقول السليمة والفطر المستقيمة وتقر بحسنه ونفعه.
وإذا أمر به يأمر بالمعروف أيضا لا بالغلظة والعنف وبذلك يكتفي شرهم وشيطان الجن يستعيذ بالله منه لأنه لا ينفع معه الحلم ولا يعطى شيء حتى يتقى شره وإنما الاستعاذة ويمكن أن يستعيذ من شيطان الإنس كما حصل من موسى- عليه السلام- (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) [غافر- 19].
وباتخاذ الخطوات التي أرشد الله إليها بالإعراض عنه والعفو والدفع بالتي هي أحسن والاستعاذة تسلم من شر شياطين الإنس والجن.
فما هو إلا الاستعاذة ضارعا
أو الدفع بالحسنى هما خير مطلوب
فهذا دواء الداء من شر ما يرى
وذاك دواء الداء من شر محجوب
استعذ بالله اامتنع به والجأ إليه واعتصم به واستجر بالله العظيم لكي يحميك من شر الشيطان وكيده ووسوسته.
الاستعاذة بالله تكون في مواضع كثيرة ومن أمور كبيرة كالاستعاذة من جهنم ومن المسيح الدجال ولكن ذكرنا هنا الاستعاذة من رأس البلايا، الشيطان إبليس، وأتباعه من شياطين الإنس والجن الذين قلدوه في معصيتهم لربهم وإهمالهم لما أمر الله به من العبادة.
أعاذنا الله وإياكم منهم إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على سيد البشرية محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين